IMLebanon

جنيف.. والانتظار!

صعبٌ هذا الكلام، لكن لا بدّ منه: ليس من مصلحة المعارضة السورية، الموجودة في محادثات جنيف، أن تُظهر راهناً، أي تراخٍ! أو أي تنازل، أو أي ميل لإبراز جدّيتها في مقاربة أي شيء يُطرح على الطاولة، لا في شأن ما يُسمى مشروع الدستور، ولا حتى ما يُسمى «الانتقال السياسي»، ولا غير ذلك من بنود راهنة، آتية من مرحلة ماضية!

حضرت المعارضة الى الجولة السادسة، وهذا في ذاته دليل على واقعيتها. وعلى التزامها متطلبات «التنسيق» مع القوى الإقليمية الداعمة لها. وقدرتها على «القراءة» الصحيحة. وقياس خطواتها بتأنٍّ. عدا إظهارها مرونة تجنّبها الوقوع في أفخاخ التشنج والضيق والسلبية.

حضرت برغم درايتها المُسبقة بعقم العملية السياسية برمّتها. وباستحالة التسوية مع بشار الأسد والإيرانيين.. وبأنّ ما يفعله الروس في جنيف (أو الآستانة!) هو محاولة ذبحها بالقطنة! في موازاة سعيهم ميدانياً في سوريا لذبحها بالنار والدمار!

.. حضرت الجولات السابقة في سياق تنازلي تبعاً لحال الدنيا مع باراك أوباما! ولتطوّر حال جبهات القتال بطريقة معاكسة لإرادتها، ومتلائمة مع إرادات خبيثة وضعت الإرهاب كعنوان تقاطع بينها، لكنّها في واقع الحال، لم ترد سوى قطع نَفَسْ الثورة وأهلها! وإكمال المذبحةّ! وتقاسم النفوذ بما يخدم مصالح أصحاب تلك الإرادات ليس إلاّ!

لكن، سهل القول راهناً، إنّ الميزان يعتدل. والاعتدال هذا مدمّر لبقايا السلطة الأسدية ولا شيء آخر! ومع أنّ ظواهر الأمور أقل وضوحاً من بواطنها، فإنّ هذه وتلك، تشي بانقلاب عاليها سافلها! ولا بأس في ذلك من الاختصار والتشديد من دون أوهام، على أنّ مرحلة الهبوط بالنسبة الى المعارضة توقّفت على الأقل. وأن مرحلة الصعود بالنسبة الى الثنائي الإيراني – الأسدي راحت في غيبة قد لا تعود منها! وإن المزج (الخبيث ذاته!) بين الإرهاب وثورة السوريين يخضع لإعادة نظر جذرية! في مقابل ضمور نظرية المفاضلة بين السيئ والأسوأ. أي بين بشار الأسد وأبو بكر البغدادي لصالح المزج بينهما بطريقة لا فكاك فيها، ولا تمييز ولا بطّيخ!

تحاول موسكو تعديل الهوامش من دون القدرة على المسّ بالمضمون.. وهذا المضمون يشتمل مركزياً، على عودة الأميركيين من تيه مرحلة أوباما! ومن مخاطرها الكارثية على المجموع العربي والإسلامي الأكثري. ومن مقاربتها التي أخذت ملياراً و300 مليون مسلم بجريرة بضعة آلاف «داعشي»! وأخذت تركيزها على تشليح إيران مشروع «القنبلة النووية» الى مصاف الهلوسة التامة، التي أفضت، من بين نوازل كثيرة، الى تمدّد كارثة السوريين! واشتعال كارثة اليمنيين! وتعميق مآزق العراقيين! ومحاولة المس الخطيرة باستقرار دول الخليج العربي، بعد التطاول على قيمها وأنظمتها وأمنها القومي!

الهوامش التي تحاول موسكو التدخل في سياقاتها، تتصل بالتوسط بين طهران وواشنطن! والسعي الى ترسيخ خرائط النكبة السورية عند الحدود التي وصلت إليها! بما يعني (خارج مدوّنة القضاء على الإرهاب) إبقاء النفوذ الإيراني حيث هو. ومحاولة إنتاج «تسوية» تُبقي نظام الأسد، لكن من دون «آل الأسد»!

الجولة السادسة في جنيف، يُفترض أن تكون الأخيرة من نوعها! ولا يضير المعارضة في شيء، أن تتعامل معها وفق هذا المعيار.. والانتظار! طالما أنّ ذلك مندرج تحت سقف إيجابي هو أن «مضمون» السياسات الأميركية ثابت، على الرغم من الضجيج المندلع في واشنطن!