IMLebanon

الله محبة

لي مكتب صغير في قريتي أطل منه على بيروت. كنت استلذها أيام دراستي في مطالع الأربعينات. الأشرفية حيث كانت دراستي العليا كنا نحسها صغيرة تتمشى فيها من البيت إلى الجامعة. أمامي مكتبة لا تحوي كل كتبي وورائي أيضًا كتب. أقلام وأوراق. لماذا ما كنت ألعب في المدرسة وخارج المدرسة؟ يبدو ان اللعب كان أساسياً ليكون لك رفاق. كل شيء كان يحصل عندي وكأن الكتاب بديل من الرفيق. بعد المدرسة عرفت الصداقة.

الكثيرون ممن أحببت استدعاهم ربهم إليه طوال عشرات من السنين. أنا لا أرتب الحياة. اخضع لمن رتبها. هذا فيه حزن ولكن فيه تعزيات إلى ان يصلنا ربك إلى الوجوه التي أحببنا. لماذا اختار هذا أو ذاك من رفاقي؟ هذا شأنه ونبقى هنا مع الذين تركهم لنا.

الإنسان وجه إليك أي إطلالة. الناس في ما يتواجهون ان كان الله فيهم. ما عداه لحم ودم. من لا يأتيك من عند الله ليس لك في العمق لقاء معه. الحياة ليست أنت بل أنت مع الآخر. لك ان تفكر ولكن هذا لا يغير من هم حولك دائمًا.

لا أعرف إنساناً لا يريد ان يكون محبوباً. عندما قال يوحنا الحبيب “الله محبة” ما عنى انها صفة من صفاته. أراد انه هو إياها. يوحنا الرسول ما قال إن الله محب. قال إنه محبة. وكأنه أراد ان ليس فيه شيء سواها. ان كانت المحبة هي الله أو كان الله المحبة إلى أين تذهب؟ هل من شيء ممكن بعد هذا؟

ماذا تعرف بيروت عن الله؟ قبل دنو شيخوختي صرت أفهم ان الله غريب عن كثير من الناس. هم يستعملونه. يريدونه لهم. من يقول في نفسه: أنا لله وحده؟ واذا قلت هذا تعني بالضرورة انك للناس جميعاً. اذا كانت بيروت لا تعرف الله وحده أي أعلى من كل الوجود ماذا تعرف حقاً من الوجود؟

ليس عندنا تعريف عن الله. العقل يعرف وجوده ولا يعرف أكثر. الإيمان يعرف انه هو المحبة. دون هذا عواطف. هي اقتراب. أنت في الله وهو فيك. هذا اختبار. أعمق ما لك من معرفته انك تحبه بدءاً من علمك انه يحبك. إن قلت شيئاً آخر تكون آتياً بكلام من العقل وحده. العقل محدود ببشريته ولا يعرف أكثر من ان الله موجود. أما العمق الإلهي فلا تعرفه الا بالنعمة أي اذا صرت إلهياً، شبيهاً بالله إذذاك يحق لي أن أقول إن بيني وبين الله تجانسًا.

اذا قلت إن بينك وبين الله تجانساً أي أنك من جنسه لا اعتراض لي لأنه بالحب جعلك من جنسه اذ تبناك. هذه مودة من الله نقابلها نحن بالطاعة والمعتقد المسيحي اننا نحبه لأنه أحبنا أولاً. انه هو المبدئ. “أنا الألف والياء، البداءة والنهاية”. الحياة الروحية رحلة منه وإليه وفي الطريق نعثر على القديسين ولكنهم ليسوا هم النهاية.

عندما يقول يوحنا الحبيب: “الله محبة” يعني انه كل المحبة وان لا محبة إلا فيه. أنت بها لا تنقل عاطفتك فحسب. تنقل الله بنعمة. وفي المفهوم المسيحي الشرقي ان النعمة غير مخلوقة أي لا تقدر ان تفصلها عن الله. عندما نقول إن هذا الإنسان محب اذا أردنا لها مصدراً إلهياً نعني ان هذا الإنسان قائم في الله وبالله يتحرك. بكلام مباشر نعني ان الله الساكن فيك هو الذي يحب فيكتمل المعنى هكذا اذا أنت أحببت فالله فيك هو الذي يحب.

فإذا قلنا “الله محبة” وأردنا انه هو المحبة تكون المحبة كل شيء وبقية الفضائل ثمرات لها. يصبح لك هذا صحيحاً في ذوقك للحب الإلهي اذا انسكب عليك.