IMLebanon

التأليف  

 

أسهل العقبات التي واجهها لبنان، في الزمن الجميل، كانت عقبة تأليف الحكومة. بل إنّ كلمة عقبة مُبالغٌ فيها. فتشكيل الحكومة كان مساراً طبيعياً في نظامٍ برلماني ديموقراطي: تُجرى الإستشارات النيابية في القصر، التي لم تكن مُلزِمة، ويتمّ التكليف على إثرها. وفي اليوم التالي يُجري الرئيس المكلّف إستشاراته في مجلس النواب. ويتوجّه لاحقاً إلى لقاء رئيس الجمهورية فيُستدعى رئيس المجلس النيابي إلى القصر الجمهوري فيما يتوافد الوزراء الجدد بدورهم حتى إذا اكتمل حضورهم أُصدِرت المراسيم (قبول إستقالة الحكومة، التكليف والتأليف). ومسك الختام الصورة التقليدية. وبعد أيام قليلة تُعقد جلسة الثقة التي تُراوح بين يوم نيابي واحد وثلاثة أيام، وفق التطورات السياسية في البلد.

 

يؤدي ذلك تلقائياً إلى إنقسام النواب بين مانح الثقة وحاجبها وممتنع عن التصويت. ثمّ يرتكز الحكم على قاعدة الموالاة والمعارضة. وربما تبلُغ الشراسة في الهجوم والدفاع سقفاً مرتفعاً ولكن دائماً ضمن الأصول العريقة والميثاق الوطني وفي إطار الأخلاق… ولا يفوت بعض النواب اللجوء إلى حجب الثقة أو منحها بقصيدة، مثل جان عزيز وسليم حيدر.

 

كانت جلسات المناقشة العامة كما جلسات الثقة بالحكومة ما يمكن إدراجه في أدب السياسة، فكان ثمّة خطباء منبريّون مُفوّهون أمثال الكتائبيّين آنذاك لويس أبو شرف وإدمون رزق. وثمّة قانونيّون كبار كنصري المعلوف وبهيج تقي الدين وأنور الخطيب. إلى بعض الذين إذا تحدّثوا رانَ السكون في القاعة لدرجة أنّك إذا رميت إبرةً تسمع رنينها، كسليمان فرنجية الرئيس لاحقاً ورشيد كرامي وصائب سلام وكامل الأسعد وبيار الجميل وكمال جنبلاط وريمون إده وكميل شمعون وحسن خالد الرفاعي والأب سمعان الدويهي.

 

أمّا «خبير الموازنة» فكان رينيه معوّض. وأما فارس المعارضة شبه الدائم فكان الدكتور ألبير مخيبر.

 

وعندما يحتدّ النقاش وتواجه الحكومة خطر السقوط في المجلس النيابي كان الرئيس صبري حماده يبتكر المخارج كما فعلَها ذات مرّة عندما لجأ، قُبيل التصويت على الثقة بثوانٍ، إلى إدّعاء إصابته بنوبة قلبيّة فارتمى على منبر منصّة الرئاسة «لا من إيدو ولا من إجرو»، فارفَضّت الجلسة حكماً وأُرجئت إلى حين تمّت التسوية و«شُفي» عطوفَتُه. والعُطوفة، التي استُبدِلَت لاحقاً بـ»دولة الرئيس» كانت لقباً حصرياً برئيس المجلس النيابي لا يُشاركه فيه إلا الأمير مجيد إرسلان.

 

إنّ هذا المسار الذي ربّـما يُثير ضحكة الجيل الحالي جعل من لبنان في تلك الحقبة من الزمن الجميل أهمّ بلدان المنطقة وأكثرها إزدهاراً وإستقراراً، والوحيد بينها الذي يعتمد الديموقراطية البرلمانية نظاماً للحكم.