IMLebanon

لماذا يتحفّظ الحلفاء على عودة الحريري الى السراي قبل الأخصام ؟!

ماكرون قد يُلغي زيارته الثانية في حال لم يتمّ التوافق المبدئي على «العقد الجديد»

 

مضى أسبوعان على استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب التي تستمرّ بتصريف الأعمال، ولم تتمّ الدعوة بعد من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون الى الإستشارات النيابية المُلزمة إذ بات معلوماً أنّها لن تحصل قبل التوافق على اسم الرئيس الذي سيُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، كما على نوعها وحجمها. ويبقى نحو أسبوع على إحياء لبنان الذكرى المئوية لولادة «لبنان الكبير» في قصر الصنوبر والتي وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّه سيعود الى لبنان للمشاركة فيها، ولكي يرى ماذا فعل الرؤساء إزاء الإصلاحات المطلوبة، و«العقد الجديد» الذي حدّثهم عنه، كون لبنان لن يحصل على أي مساعدات مالية من الدول المانحة ما لم يقم بإنجاز الإصلاحات المطلوبة منه.

 

مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ إسم الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري لا يزال الوحيد المطروح حتى الآن، ويجري التداول به لمعرفة موقف الداخل والخارج منه. واللافت، أنّ الثنائي الشيعي مُوافق على عودته الى السراي لأن لديه مصلحة في ذلك، كون وجوده يخلق نوعاً من الإرتياح الطائفي في ظلّ التشنّجات القائمة، و«التيّار الوطني الحرّ» غير رافض لهذه العودة، فيما الحزب التقدّمي الإشتراكي وحزب «القوّات اللبنانية» لا يزالان مُتحفّظين على هذه العودة. وهذا الأمر يطرح تساؤلات عدّة حول هذا التحفّظ غير المفهوم من حزبين دعما الحريري في وقت سابق، قبل عقده التسوية الرئاسية، ثمّ وجدا في استقالته استجابة لصوت الشارع و«ثورة» 17 تشرين وفكّه للتسوية، موقفاً صائباً.

 

وبرأي المصادر، إنّ هذا التحفّظ هو رهن موقف السعودية من عودة الحريري الى السراي، وهي لا تزال أيضاً مُتحفّظة، وتدرس إمكانيات دعم شخصية سنيّة أخرى لتكليفها تشكيل الحكومة الجديدة. كذلك فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تريد رئيساً حيادياً يكون قادراً على تشكيل حكومة من دون حزب الله، ولا تجد أنّ الحريري قادر على القيام بهذا الأمر سيما وأنّ تجربته الماضية، من وجهة النظر الأميركية، أظهرت عكس ما تبتغيه. فالسعودية والولايات المتحدة تطمحان أن يتمّ تشكيل حكومة جديدة في لبنان من دون تمثيل حزب الله فيها، ولهذا تبحثان عن شخص سنّي يُمكنه تخطّي هذه العقبة، ويقوم بتشكيل حكومة حيادية. مع العلم بأنّ الحريري قادر على التخفيف من وطأتها، إن من خلال القاعدة الشعبية الكبيرة التي يملكها في الداخل، أو من خلال قبوله بحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

 

وأكّدت المصادر بأن لا أحد يستطيع اليوم إلغاء وجود حزب الله من أي حكومة مقبلة، كونه يُمثّل شريحة واسعة في البلد، كما أنّه هو لا يطمئن أن يجري تشكيل حكومة من دون مُشاركته فيها، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة الدقيقة التي يشهدها لبنان، إذ بدأت الدول الخليجية بالتطبيع مع «إسرائيل»، لا سيما الإمارات العربية، ومن المتوقّع أن تحذو السعودية حذوها قريباً.

 

وصحيح بأنّه ليس من إجماع على إسم الحريري في الداخل والخارج، لكنّه يبقى الأكثر تمثيلاً، على ما أضافت المصادر، خصوصاً وأنّ وجوده يُؤمّن التوازن السياسي داخلياً، وهو قادر بالتالي من خلال علاقاته الخليجية والأوروبية والدولية تأمين المساعدات المطلوبة للبنان والتي يحتاجها اليوم، لا سيما بعد انفجار 4 آب، أكثر من أي وقت مضى. علماً أنّ المطلوب حالياً تشكيل حكومة مُستقلّة لا ينتمي وزراؤها الى الأحزاب أو الى الطبقة السياسية الحاكمة لكي لا يقوم الشارع بإسقاطها مجدّداً.

 

وفيما يتعلّق بالحكومة الحيادية، استبعدت المصادر نفسها، أن يتمكّن الحريري أو أي شخصية سنيّة أخرى من تسمية أشخاص حياديين لتسلّم الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، سيما وأنّ نظام المحاصصة السياسية القائم يحول دون إمكانية تغيير النظام. علماً بأنّ الرئيس الفرنسي قد طالب المسؤولين السياسيين خلال زيارته الأخيرة الى لبنان بالعمل على  التوافق فيما بينهم على «عقد جديد» لأنّ فرنسا والدول المانحة لا يُمكنها مُساعدتهم ما لم يعملوا هم على مُساعدة أنفسهم ومُساعدة المجتمع الدولي كذلك لكي يحظوا بدعمه.

 

وتقول المصادر إنّ العقبات نفسها ستُواجه اليوم أي رئيس مكلّف تشكيل الحكومة لا سيما إيجاد أشخاص حياديين وكفوئين في ظلّ تحكّم المحاصصة السياسية بالنظام اللبناني، وعدم إرادة ونيّة المسؤولين السياسيين بقلب الطاولة وتغيير هذا الواقع. ولعلّ هذا الأمر هو الذي جعل حكومة الرئيس دياب تُشكّل من لون واحد، ولا تصمد بالتالي أكثر من 7 أشهر، فيما المطلوب اليوم حكومة جامعة من الشخصيات الكفوءة التي تُعطي الأولوية لإنقاذ البلد من أزماته، بعيداً عن المحاصصة السياسية والطائفية والحزبية.

 

أمّا عدم التوصّل الى أي توافق داخلي مبدئي حول نوع الحكومة وحجمها خلال هذا الأسبوع، فسيجعل الرئيس ماكرون يتخذ قرار إلغاء زيارته الثانية التي وعد بها الى لبنان في أول أيلول المقبل، كونه لن يعود ليجد الأمور لا زالت على حالها، أو بالأحرى تراجعت الى الأسوأ مع استقالة حكومة دياب، وعدم قدرة المسؤولين على تكليف شخص سنّي تشكيل الحكومة الجديدة، في الوقت الذي لا تحتاج فيه مثل هذه العملية في فرنسا وسواها سوى أيام معدودة.