IMLebanon

الحريري في بيروت… والصبر مفتاح الفرج  

 

ليس مستغرباً أن تطول الأسئلة والتساؤلات حول فترة غياب الرئيس المكلف سعد الحريري خارج لبنان، وما صاحبها من تسريبات اعلامية تتحدث عن عودة حافلة بالاتصالات والمشاورات مع سائر المعنيين بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري..

 

التزم الرئيس الحريري الصمت طوال الايام الماضية، وترك باب الاجتهادات والتحليلات مفتوحاً على مداه، وقد بلغ الامتعاض عنده حداً، طرح لدى مقربين منه أكثر من علامة استفهام وسؤال حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء اعتصامه الصمت.. وما اذا كانت خياراً أم مكرها على ذلك، لتجنيب البلد أزمة تضاف الى سائر الازمات التي يعاني منها؟!

لا أحد يستطيع ان يبت بذلك، وان كانت »الموضوعية« و»الواقعية السياسية« توكد ان مسار الافرقاء الوازنين المعنيين بتأليف الحكومة العتيدة لم يرقَ الى مستوى المسؤولية الوطنية، وكل فريق »يشد اللحاف صوبه« وكان مصير البلد موقوف عليه من دون سواه؟!

من خلال استعراض مسيرة التأليف، منذ لحظة التكليف التي حظي بها الرئيس الحريري على 111 صوتاً من أصل 124، يتبيه أنه لم يحصل أي تقدم جاد وعملي على هذا الخط.. فما كان بقي، ولم تتبين الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا العناد وهذه المراوحة، سوى ان كل فريق يريد نفسه أولاً وقبل كل آخر.. فلا الرئيس العماد ميشال عون وضع ثقله الوازن لفكفكة العقد، بل ابتدع »الحصة الرئاسية«، ولا الرئيس نبيه بري بادر الى خطوات فاعلة على خط ازالة العقبات المفتعلة، وهو ينام على حرير »الثنائي الشيعي« مع »حزب الله«، ولا يرى سبباً لأن يزج بنفسه، وهو صاحب التجربة العريضة والخبير الملهم بفكفكة العقد واخراج الحلول.. سوى أنه، وبعد مقاربة التأليف نهاية شهره الاول، بادر الى تسريب معلومات عن أنه سيغادر وعائلته في اجازة خاصة نهاية الاسبوع الجاري، في ما اعتبر تلويحاً بالضغط ودفعاً أكثر لتزخيم التأليف الذي نال جرعة تهدئة كافية لينام لبنان أطول فترة زمنية ممكنة في ظل حكومة تصريف الأعمال..؟ وما يقال عن الرئاستين الاولى والثانية، يصح على سائر الافرقاء »الوازنين« الآخرين.. »وليقلع الحريري شوكة بيديه«؟!

كل الذين التقوا الرئيس الحريري في أوقات سابقة خرجوا بانطباع ان الرجل »متفائل« بولادة سريعة لحكومة الوحدة الوطنية الموسعة، والتي لن تستثني أحداً من الافرقاء اللبنانيين وأن الصبر مفتاح الفرج، مع استمرار المساعي ولكن واقع الحال كشف عن ان كل فريق متمسك بما يعتبره حقوقاً له في عدد الحقائب ونوعيتها وتوزع الحصص، ابتداءً من »الصراع الوجودي«  الذي لم يتوقف بين »التيار اوطني الحر« و»القوات اللبنانية« الى العقدة الدرزية الجنبلاطية – الارسلانية. وهي عقد الغائية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، الى ما يحكى عن حصة النواب السنة خارج »المستقبل« إضافة الى الحصص الرئاسية غير المسبوقة.

يغسل الرئيس نبيه بري يديه من كل ما يجري، ويعتصم بالصمت، وعندما يتكلم يكون يعني كل كلمة يقولها أمام زواره، واضعاً نفسه في »عالم آخر« قائلاً: »اننا لم نعد نعرف أين تكمن المشكلة.. أهي مشكلة خارجية، أم داخلية.. فليقولوا لنا«؟! وهو يعرف أكثر من غيره، مكامن الخلل وأين مصدر المشكلة، وكيف يتوزع؟ على رغم تأكيد مصادر مقربة جداً من الرئيس الحريري، ان تأخير ولادة الحكومة يعود الى الطلبات والشروط المفروضة من قبل البعض، نافية وجود أي عراقيل او عوامل خارجية تؤخر تشكيل الحكومة..«.

يرمي البعض الكرة في ملعب الرئيس المكلف.. والجميع يدركون ان أحد أبرز أوجه المشكلة، هو ان الرئيس الحريري لا يريد ان يقفز من فوق الافرقاء اللبنانيين كافة، وهم ممثلون في المجلس النيابي الذي تعود اليه مسألة الثقة بالحكومة او منعها..؟!

يأخذ البعض على الرئيس الحريري أنه يقف مكتوف اليدين مما يجري ويعتمد الحكمة، والعقلانية في ادارة هذا الاستحقاق البالغ الأهمية.. والرئيس بري يهدد بأنه  لن يبقى صامتاً ومكتوف اليدين.. والرئيس العماد عون عندما يسأل يروح بعيداً في أولوية طرح مسألة النازحين السوريين، ويتجنب البحث في المشكلة الحقيقية المتمثلة بدور فريقه »التيار الحر« في عرقلة ولادة الحكومة أمام تحديات »القوات«.. على رغم مواقف عدد من قيادات تكتل »لبنان القوي« التي تشير الى ان »الأهم من الحقائب هو الاتفاق السياسي.. ولافيتو على أحد، والامور خاضعة للنقاش والتفاوض..«.

الحريري في بيروت.. والايام المقبلة ستكون كفيلة بايضاح الصورة وازالة الالتباسات العالقة، وترجمة الاقوال الى أفعال، والكف عن سياسة »التنافس على قالب الجبنة« وكل فريق يحمل سكينه خلف ظهره، في وقت تشهد المنطقة من أقصاها الى أقصاها تطورات ميدانية بالغة الدقة، لن يبقى لبنان بعيداً عن تداعياتها، والسياسة العرجاء التي يعتمدها بعض الافرقاء لن تصل بلبنان الى بر الأمان المطلوب التمسك به واعتماد »سياسة النأي بالنفس« فليس من شيء أغلى من الأمن والأمان والاستقرار؟!