IMLebanon

الحريري ممتعض من القوات والتيار استغل الموقف

 

 

مع طيّ صفحة مُوازنة العام 2019 بالتي هي أحسن ـ إذا جاز التعبير، ستتجه الأنظار خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، إلى مرحلة ما بعد المُوازنة، لجهة الإرتدادات الإقتصادية والمالية التي ستتركها على الواقع المعيشي والحياتي في لبنان، وكذلك لجهة الإرتدادات السياسيّة التي خلّفتها خيارات التصويت من قبل مُختلف الكتل الوازنة والشخصيّات السياسيّة المستقلّة. فما هي التوقّعات على هذين المُستويين؟

 

بحسب مصدر إقتصادي مُطلع إنّ الإيرادات المُتوقّعة لخزينة الدولة من مُوازنة العام 2019 مُبالغ فيها، والتطبيق الميداني سيُظهر حجم الأخطاء في الحسابات التقديريّة، وذلك لأكثر من سبب، أوّلها أنّ الحسابات الأساسيّة بُنيت على إمتداد سنة كاملة، علمًا أنّ التطبيق الفعلي للمُوازنة سيقتصر على خمسة أشهر فقط بدءًا من آب المُقبل! والسبب الثاني ـ بحسب المصدر نفسه، أنّ الإيرادات المُتوقّعة لا تأخذ في الإعتبار تراجع القُدرات الشرائيّة والسيولة النقديّة لشرائح واسعة من المُواطنين اللبنانيّين، ما يعني أنّهم لن يُبادروا مثلاً لتسوية مُخالفات البناء على الرغم من الحوافز التي أعطيت لهم. وأضاف أنّ السبب الثالث يكمن في غلاء حتمي للأسعار نتيجة الضريبة التي جرى رفعها على أغلبيّة السلع المُستوردة، ما يعني عمليًا تراجع حجم المُشتريات للكثير من اللبنانيّين الذين سيكتفون بما هو ضروري وأساسي، الأمر الذي سيحدّ بدوره من حجم المداخيل المُنتظرة. وإذ قال إنّ من غير المُهم تخفيض العجز نظريًا وعلى الورق، بل ميدانيًا وفعليًا، رأى المصدر الإقتصادي المُطلع أنّ أكبر إثبات للنظرة السلبيّة للنتائج المُرتقبة للمُوازنة، وإنعكاساتها السلبيّة على المُواطنين، هو تهرّب العديد من النوّاب من تحمّل مسؤوليّة الكثير من بُنودها، وإقرارها بخجل ومن دون أي تباهي. وختم المصدر الإقتصادي كلامه بالإشارة إلى «كلمة حق يجب أن تُقال»، وتتمثّل في أنّ إقرار المُوازنة سيسمح بإطلاق التنفيذ الميداني لبعض بُنود مؤتمر «سيدر»، الأمر الذي من شأنه أن يترك مفاعيل معنويّة إيجابيّة، وأن يؤمّن بعض السيولة النقديّة للمشاريع المُنتجة، والتي من شأن توظيفها بشكل صحيح أن ينعكس إيجابًا على الأوضاع العامة، بشرط عدم الغرق مُجدّدًا في الخلافات السياسيّة الداخليّة وعدم إشاعة أجواء صداميّة في البلاد.

 

من جهة أخرى، وفي ما خصّ الإرتدادات السياسيّة للموازنة، كان لافتًا إمتعاض رئيس الحُكومة سعد الحريري من موقف حزب «القوات اللبنانيّة» من المُوازنة، وتوجيه إنتقادات غير مباشرة لهذا الموقف، الأمر الذي واكبه «التيّار الوطني الحُرّ» ـ بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة، بأمر عمليّات لمُختلف نوّابه، بضرورة مُهاجمة ما وصفوه بازدواجيّة «القوات» في تعاطيها مع ملف المُوازنة، لأهداف شعبويّة. ورأت الأوساط السياسيّة أن ما حصل أظهر مرّة جديدة، إستمرار الصراع السياسي والإعلامي الحاد بين «القوات» و«التيّار الوطني الحُرّ»، حيث أنّ فترات التهدئة باتت محدودة وتقلّ كثيرًا عن فترات التصعيد، على الرغم من كل المُحاولات لرأب الصدع. وأضافت الأوساط نفسها أنّه في ما خصّ علاقة «القوات» برئيس الحكومة، فهي باتت رهن ربط الحريري لأي إنتقاد للحُكومة أو لأي سياسة من سياسات الدولة، به شخصيًا بصفته رئيسًا للحكومة، بحيث صار الحريري يرفض أن يتقبّل أيّ إنتقاد، ويعتبر أنّه يستهدف نجاحه شخصيًا قبل أي جهة سياسيّة أخرى، ويرى أنّ على كل القوى السياسيّة التوقّف عن إنتقاد العمل الحكومي، والإنكباب على العمل لإنقاذ الوضع الإقتصادي والمالي.

 

في المُقابل، وبحسب مصدر «قواتيّ» إنّ نوّاب «القوات» لم يعترضوا على المُوازنة لأهداف شعبويّة أو بسبب «إنقسام شخصيّة على المُستوى السياسي» ـ كما حاول البعض ترويجه، بل لأنّه لم يتمّ التعامل بجديّة مع الملاحظات ومع التحفّظات التي أبداها حزب «القوات» على العديد من بُنود المُوازنة، خلال مرحلة درسها وتعديلها أي قبل إحالتها إلى المجلس النيابي، وكأنّ وُجود «القوّات» في السُلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة هو فقط لتسجيل المواقف الفولكلوريّة، «ومن ثم للتوقيع على بياض على بنود أبدينا تحفّظنا عليها وطالبنا بتعديلها من دون أن نلقى آذانًا صاغية».

 

وسأل المصدر «القوّاتيّ»: «كيف نكون شعبويّين، ونحنا لم نتصرّف سوى وفق القوانين، وبما يخدم خزينة الدولة؟» وذكّر بأنّ «القوّات» أخذت قرارات غير شعبيّة، ولا تخدمها إطلاقًا إنتخابيًا، على غرار تطبيق قانون العمل مع ما أثاره هذا الأمر من إعتراضات من جانب العديد من الصناعيّين وأرباب العمل والعمّال، لأنّه بكل بساطة يُكبّدهم أموالاً إضافيّة، علمًا أنّ هذه الأموال ستذهب في نهاية المطاف لصالح خزينة الدولة، وكذلك على غرار التخلّي عن مُتعاقدين غير ضروريّين مع وزارة الشؤون الإجتماعيّة، ورفض التوظيف في القطاع العام والذي حصل في السنوات الماضية بشكل مُخالف للقانون، إلخ. وشدّد المصدر «القوّاتي» على أن لا خلاف مع رئيس الحُكومة، حيث أنّ التباين في وجهات النظر بالنسبة إلى ملف مُعيّن، محصور بهذا الملف فقط، والتنسيق سيستمرّ مع الحريري ومع باقي القوى السياسيّة، طالما أنّ «القوات» شريك أساسي في الحُكم وفي الحُكومة، وهو واقع ستعمل على تثبيته أكثر فأكثر في المُستقبل، لأنّها ترفض أن تكون «كمالة عدد» لا على طاولة الحكومة، ولا في المجلس!