IMLebanon

الحريري يعيد الاعتبار لعلاقات لبنان الخارجية  

بعيداً من كل السجالات الكلامية – الاعلامية، التي فاقت الوصف وتجاوزت كل الخطوط الحمر، والاجتهادات التي أعقبت «فجر الجرود»، وأثمرت انتصاراً غير مسبوق وبالغ الأهمية، لقوى الجيش اللبناني على المجموعات الإرهابية المتحصنة في جرود السلسلة الشرقية، ورمي التهم يمينا وشمالاً، على خلفيات لم تعد خافية على أحد، بدأ رئيس الحكومة سعد الحريري، على رأس وفد وزاري «منوع»، زيارته الرسمية، الفائقة الأهمية في التوقيت والمضمون الى روسيا، حيث من المقرر ان يلتقي يوم غد الاربعاء الرئيس فلاديمير بوتين..

الزيارةس، تأتي بعد زيارتين سابقتين الى كل من الولايات المتحدة وفرنسا، والرئيس الحريري على ما يظهر، يسعى جاهداً الى اعادة الحياة لعلاقات لبنان الخارجية، بعيداً من «الاصطفافات المحورية»، حيث المصلحة الوطنية تعلو على ما عداها..

لم يعد خافيا على أحد، ان الرئيس الحريري في موسكو، سيركز في محادثاته مع المسؤولين الروس، الذين التقاهم والذين سيلتقيهم على العلاقات الثنائية بين البلدين وأوضاع المنطقة والاهتمام المشترك باستقرار لبنان، مع التركيز على ملف دعم الجيش اللبناني، وتصور الحكومة اللبنانية لحل أزمة النازحين السوريين..

قد يكون من السابق لأوانه الحديث عما ستؤول اليه الزيارة، لكن وعلى ما تظهر المؤشرات والمواقف السابقة والحالية، فإن لقاء الرئيس الحريري القيادات الروسية، في مثل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة – ولم يعد لبنان بمنأى عن تداعياتها – ستكون مناسبة بالغة الأهمية، وستكون العلاقات الثنائية الروسية – اللبنانية مادة أساسية ضمن جدول أعمال حافل بالموضوعات الاقتصادية وتقديم ما يلزم في مجال التنقيب عن النفط في جنوب لبنان، إضافة الى رفد المؤسسة العسكرية اللبنانية، صاحبة القرار بتحديد قائمة الأسلحة ونوعيتها، التي يحتاجها الجيش لتعزيز قدراته القتالية.. خصوصاً وأن الولايات المتحدة تمادت في اللعب علي أعصاب اللبنانيين، وتتنقل بين التهديد باسترجاع ما كانت قدمته من مدرعات للجيش، وبين النفي المصحوب بكثير من الغموض.. وقد يتعزز هذا السلوك الاميركي مع الشكوى العاجلة التي رفعها لبنان الى مجلس الأمن بشأن الخروقات الاسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية وآخرها الهجوم الصاروخي ضد أهداف على الأراضي السورية انطلاقاً من الأجواء اللبنانية، وحركة الطيران المثيرة، قبل يومين فوق صيدا والزهراني بالتقاطع مع المناورات العسكرية الاسرائيلية على الحدود مع لبنان والتي تحاكي حرباً مفتوحة على «حزب الله»؟!

من المفارقات الاميركية البالغة الدلالة، أنه ومع التسريبات عن احتمال اتخاذ قرار استرجاع ما كانت واشنطن قدمته للجيش، ونفي ذلك لاحقاً في أعقاب الزيارة الحريرية لفرنسا، فإن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى هو اللواء جورج سميث، (مدير الاستراتيجية والتخطيط والسياسة في القيادة المركزية الاميركية) زار لبنان لمدة يومين والتقى قائد الجيش العماد جوزف عون، «وتم البحث في مجالات التعاون من أجل زيادة تطوير قدرات الجيش اللبناني، باعتباره «المدافع الوحيد عن أراضي لبنان وحدوده..» وهي رسالة لم تغب عن أذهان عديدين، عشية زيارة الرئيس الحريري لروسيا، بهدف قطع الطريق أمام أي توافق روسي – لبناني يوفر الدعم العسكري المطلوب للجيش، بعيداً عن أي سقف..؟!

من أسف ان العديد من الافرقاء السياسيين اللبنانيين في واد، ومصلحة لبنان وجميع اللبنانيين في واد آخر.. ولم يتروّ البعض في انتظار ما ستؤول اليه التحقيقات بشأن العسكريين الشهداء، بل راحوا بعيداً في صب زيت المناكفات والسجالات والمكايدات، الملتهبة على جروح اللبنانيين النازفة وعلى كل المستويات..

قال الرئيس الحريري، وبالفم الملآن، أمام وفد أهالي العسكريين الشهداء «ان دم هؤلاء أمانة في أعناقنا جميعاً..» وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لذوي الشهداء: «عهدي لكم ان دماء أبنائكم أمانة لدينا حتى تحقيق الأهداف التي استشهد هؤلاء من أجلها وجلاء كل الحقائق..» ورئيس مجلس النواب نبيه بري يستغرب الحملة على رئيس الحكومة السابق تمام سلام وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، كما ويستغرب «عرض العضلات».

القصة من أولها الى آخرها، أوجزها الرئيس عون بالتالي: «أنه لغط كثير حول مسألة العسكريين الشهداء الذين خطفوا وقتلوا على يد التنظيمات الإرهابية في جرود السلسلة الشرقية في آب من العام 2014.» ومن سلم الارض بات خارج المحاسبة ومن حررها أصبح كأنه المسؤول عما حصل في السابق.. «فتحنا تحقيقاً في الموضوع أساسه معرفة ملابسات خطف العكسريين واحتلال الإرهابيين أجزاء من الارض اللبنانية..» وعند انتهاء التحقيقات «يجب عدم ادانة البريء وتبرئة الجاني المهمل والمتساهل الذي أدى تصرفه الى تطور الأوضاع ووصولها الى ما وصلت اليه.. وهذا الحق محفوظ للذين استشهدوا في الميدان الى جانب الشهداء الذين استرجعنا جثامينهم..».

بالطبع لن تتكرر مشهدية سابقة أطاحت الحكومة.. وزيارة الرئيس الحريري الرسمية لروسيا ستؤكد التمسك بالشرعية الدستورية – الوطنية – لهذه الحكومة ولبنان يقدر أهمية العلاقات اللبنانية – الروسية وتطويرها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فضلاً عن سائر مختلف القضايا المطروحة للتداول.. ولن يحصد الذين يصوبون سلبياً على هذه الزيارة، سوى الفشل وقد أثبت الروس حرصهم على الأمن والاستقرار في لبنان وتطوير قدرات المؤسسة العسكرية على نحو يوفر لهذا البلد الأمن والأمان في مواجهة التحديات ومخاطر «لعبة الأمم» والتسويات الكبرى التي تدفع ثمنها سائر الأمم والشعوب..