IMLebanon

الحريري مأزوم من الحلفاء… وتجربة زحلة تسقط أوهام الثنائي المسيحي

ما الذي حصل في المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية، وما هي تداعياتها ودروسها؟

بعد خمسة أيام على هذا الاستحقاق الانتخابي المنتظر من سنوات وسنوات، تبقى هناك علامات استفهام واسئلة كثيرة مطروحة حول ما جرى في بيروت والبقاع، ومن خرج منتصرا او مهزوماً.

مما لا شك فيه بشهادة مراجع بارزة ان العملية الانتخابية جرت بمرونة وسلاسة تجاوزت الهواجس التي حاول البعض إثارتها للتهرب من الامتحان، ادراكا منهم لما يمكن ان يصيبهم من ضرر او خسائر سياسية.

ولا بدّ هنا من القول ان اجواء وحسن سير الانتخابات تركت اثراً ايجابياً لدى الرأي العام اللبناني المتعطش الى اللعبة الديموقراطية مع كل شوائبها الناجمة عن اسباب عديدة ابرزها النظام الانتخابي المتبع والتفاوت في القدرات بين قوى السلطة والمعارضة التي ما زالت في طور التشكيل.

كما لا بدّ ايضاً من الاشارة ان هذه الانتخابات واجراءها في موعدها اعطى للبنان صورة في الخارج ولدى الدول والجهات الدولية انطباعاً ايجابياً وجيداً، ان لجهة تأكيد سلامة وضعه الامني وقدرة جيشه والقوى الامنية على القيام بدورها في ترسيخ الاستقرار العام، او لجهة استعادة جزءا من الثقة بثقافته الديموقراطية على الرغم من جرح عدم انتخاب رئيس الجمهورية منذ سنتين وحتى الان، ومن التمديد للمجلس النيابي.

ولعلّ، حسب المراجع البارزة، ان هاتين الملاحظتين تعتبران من اهم النتائج الايجابية للانتخابات البلدية، عدا عن كونها العملية الواجب القيام بها لتجديد البلديات وتعزيز الدور التنموي في المدن والبلدات والقرى.

وفي العودة الى السؤال السابق الذكر فان ما جرى في هذه الانتخابات وما اسفرت عنه يكشف حقائق عديدة، ويؤشر الى انعكاسات على العديد من القوى والتيارات السياسية، ويمكن الاشارة في هذا المجال الى النقاط والحقائق التالية:

1- يؤكد العارفون ان الرئيس سعد الحريري لا يخفي خيبته مما حصل في بيروت، خصوصاً لجهة ما يشبه الطعن في الظهر الذي تلقاه من بعض الحلفاء والمشاركين المسيحيين في «لائحة البيارتة».

وما يزيد من مرارة هذا الشعور هو تبريرات هؤلاء لتدني نسبة التصويت لصالح اللائحة، وذهاب ما يزيد على الستين في المئة الى لائحة بيروت مدينتي.

ويقول بعض المقربين منه ان الكلام عن رأي عام مسيحي بيروتي مستاء من سياسة الحريري هو مجرد حجة او غطاء للتقصير او لسياسة ادارة الظهر التي مارسها ما يفترض ان يكونوا حلفاء ومشاركين في المعركة والمسؤولية.

وترفض اوساط الحريري الاعتراف بتراجع شعبية «المستقبل» بالنسبة التي يروّج لها الخصوم، مشيرة الى ان هناك محاولة مقصودة لتكبير حجم هذا التراجع لأهداف سياسية تتجاوز معركة الانتخابات البلدية.

وتقول الاوساط ان جمهور تيار المستقبل وانصاره هو الذي حمل اللائحة كاملة على اكتافه، وهو الذي كان وراء نجاحها من دون اي فرق وبفارق مريح، لكنها تعترف بأن نوعا من الاسترخاء ربما ساد قبل يوم الانتخابات في الساعات القليلة الاولى لأسباب عديدة منها الاطمئنان بأن اللائحة ليست للحريري وحده لا بل يفترض ان تكون فعل مشاركة عريضة نظراً لهذا التنوع الحزبي الواسع الذي تشكلت منه.

وتكشف مصادر مطلعة انه بعد ان اتّضح بعد ظهر يوم الانتخابات ان هناك شيئاً ما يحصل في الدائرة الاولى لغير صالح اللائحة وان الاقبال الضعيف يشكل انذاراً حقيقياً، اوعز الحريري للماكينة الانتخابية الحريرية للاستنفار والتحرك السريع، وقيل ان الماكينة استعانت بعدد كبير من مخاتير بيروت والمفاتيح الانتخابية في الاحياء لدقّ ابواب المواطنين بالاسم وحثهم على التوجه الى صناديق الاقتراع للدفاع عن بيروت.

وتقول المصادر ان ما جرى بعد الظهر كان بمثابة اعلان حالة طوارئ في صفوف تيار الحريري لرفع نسبة المقترعين «للائحة البيارتة» في المناطق السنية، خصوصاً بعد ان تلقت قيادة الماكينة الانتخابية معلومات عن حركة منظمة وحاشدة للمتطوعين في ماكينة لائحة بيروت مدينتي في بعض هذه المناطق مثل المزرعة والمصيطبة والباشورة وزقاق البلاد وغيرها.

وتضيف بأن هذا الاستنفار في صفوف فريق الحريري ساهم مساهمة مباشرة في رفع نسبة المقترعين ما يزيد على العشرين في المئة، وأمّن للائحة البيارتة أصواتا لا بأس بها لصالحها.

ومع ذلك بقي الحريري قلقاً فأوعز لفريق عمله من اجل نقل هذا القلق الى الدكتور سمير جعجع خصوصاً لجهة نسبة المشاركة المتدنية في الاشرفية والتي لم تتجاوز 8 في المئة حتى بعد الظهر، ووصلت هذه الرسالة بصورة غير مباشرة فخرج كل منهما بنداءات لحثّ الناخبين على الاقتراع ما زاد النسبة بعض الشيء لكن الاوراق بقيت تصب لصالح «بيروت مدينتي».

ووفقا للمعلومات فان انصار «القوات اللبنانية» لم يظهرواً حماساً للتصويت لصالح «البيارتة» وجرى تسريب عدد لا يستهان به من اصواتها الى اللائحة المنافسة، لا بل أن التركيز بقي على المخاتير دون البلدية.

اما قصة التيار الوطني الحر فأصبحت معروفة للقاصي والداني لا سيما ان مشهد التمرد العوني على قرار القيادة قد تعمم على شاشات التلفزة، وترك آثاراً واضحة داخل التيار وخارجه.

وبعد اقفال الصناديق كان الحريري يتلقى في بيت الوسط المعلومات على طريقة «الهبّة الباردة والهبّة الساخنة»، وانتابه القلق اكثر عندما اخذت ترده نتائج صناديق الدائرة الاولى والصناديق في الدائرة الثانية ايضاً، عدا عن بعض الصناديق في مناطق بالدائرة الثالثة ذات الاغلبية السنية الساحقة.

ونصح بعض المقربين الشيخ سعد المبادرة على اعلان حسم النتيجة في وقت مبكر من الليل سعيا الى رفع المعنويات، لكنه بقي يفاجأ بارقام مقلقة حتى الفجر، الى ان اطمأن صباحاً ان لا خوف على كامل اللائحة، وان النتيجة «مبلوعة» مع غصّة كبيرة سيكون لها تداعياتها ان لجهة العلاقة مع الحلفاء المسيحيين، او لجهة اعادة ترتيب العلاقة مع جمهوره. وهذا يقتضي وقتاً وجهداً غير عاديين خصوصاً في ظل هذا الوضع الصعب الذي يمر به الحريري على غير مستوى.

وفي زحلة اظهرت النتائج من دون ادنى شك الصورة المضخمة عن «تسونامي» الثنائي المسيحي المستجدّ التيار العوني – والقوات، بعد ان اتضّح من خلال الوقائع والارقام ان هذا التحالف لم يتمكن من فرض ايقاعه براحة في وجه الخصوم رغم عدم خبرة ارملة النائب الراحل الياس سكاف، وضعف فريق عملها في وجه رئيس بلدية الاحزاب اسعد زغيب الذي يملك خبرة ورصيد لا يستهان بهما، بحيث يقول العارفون ان كان له دور في تجيير ربع الاصوات للائحة.

وكما حصل في بيروت فان الاقبال على صناديق الاقتراع بقي الى ما بعد الظهر دون التوقعات ما جعل جعجع وعون يستنفران الجمهور الزحلاوي بالدعوات للذهاب الى مراكز الاقتراع، او من خلال قرع الاجراس ودق ناقوس الخطر كما لو ان زحلة تتعرّض لاجتياح.

ووفقا للمعلومات ايضا فان زيارة جعجع للحريري اعطت نتائجها لجهة توزيع الاصوات السنّية بين لائحة الكتلة الشعبية وبين لائحة الاحزاب مع تشطيب اسماء عدد من اعضائها لا سيما العونيين.

وكان الحريري يمنّي النفس بسلوك على المسار ان ينعم بدعم ملحوظ ووافر من «القوات» في بيروت لكن «حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر».

ويمكن القول ان جعجع استفاد من هذا التوسيع السنّي، وان كان بقي راجحا لصالح الكتلة الشعبية، ما عوض عليه بنسبة مقبولة عن تجيير حزب الله اصواته لمرشحي التيار الوطني الحرّ والاخرين في اللائحتين المنافستين.

وتضيف المعلومات بان ميريام سكاف «لم تلعبها جيداً في التحضير للائحتها، ما ساهم في خسارتها كمية اصوات ملحوظة من حركة «امل» التي اعطت للائحة فتوش بنسبة جيدة.

ومما لا شك فيه انه في مقلب لائحة الاحزاب تمكن جعجع من خطف الاضواء، وظهرت القوات بانها العمود الفقري للائحة اكان من خلال الحضور الاعلامي ام من خلال العراضات في الشارع، مع العلم انها لم تساهم في تجيير الاصوات داخل صندوق الاقتراع بزيادة كبيرة عن التيار العوني.

وفي قراءة يكاد يجمع عليها المراقبون ان نتائج زحلة اظهرت بوضوح ان الاحزاب المسيحية الثلاثة التيار، والقوات، والكتائب لم تظهر بحجم التوقعات،

لا بل انها اعطت انطباعا عكسياً يضعف، صورة الثنائي المسيحي بوجه خاص، وخصوصا على اعتاب المرحلة الثنائية من الانتخابات في جبل لبنان.

ولا بد من الاشارة الى ان التحالف بين «القوات» والتيار العوني يشوبها اهتزاز واضح في الجبل، ولعلّ ابلغ مثل على ذلك معركة جونية التي ستكون محطّ انظار الجميع، وستطغى اخبارها ونتائجها على المناطق الاخرى.

وفي بعلبك الهرمل يمكن القول ان الثنائي الشيعي حزب الله وحركة «امل» نجحا في اجتياح البلدات والقرى بدءا من مدينة بعلبك، لكنهما واجها لوائح منافسه في بعضها، الامر الذي عكس ويعكس رغبة في تسجيل الاعتراض او التغيير في هذه البلدات والقرى لاسباب تتعلق بعدم حسن اختيار الاسماء والاشخاص، او عدم الوقوف على اراء الآخرين.

ومما لا شك فيه ان الحزب ركز على بعلبك وبريتال واللبوة، فنجح في الثلاث، بعد ان ضاعف مع «امل» الجهد لنقل الناخبين من بيروت من خلال جسر برّي، وماكينة كثيفة نشطت في كل اتجاه.

ووفقا للمعلومات فان زيادة نسبة المقبلين على الاقتراع بعد الظهر ساهمت في اطمئنان ماكينة الحزب والحركة الى النتائج مساء، لكن المعنيين فضّلوا التريث في اعلان النتيجة لمزيد من الاطمئنان ما يعكس بعض القلق الذي ساد قبل المعركة خصوصاً في اوساط الحزب بالنسبة لبريتال.

اما في اللبوة فلم يواجه حزب الله وأمل منافسة قوية بسبب ارباك اللائحة المنافسة، والتحضيرات المدروسة التي اعدت للمعركة لكي لا يتكرر مشهد الانتخابات السابقة التي سجلت نتائجها مفاجأة اطاحت بلائحة الثنائي الشيعي يومها.