IMLebanon

هل تشكّل عودة الحريري قوة دفع لتطبيق الطائف؟

 

تحقيق الإصلاحات بين تعهدات الرئيسين والواقع

لا شك ان عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت شكّلت رافعة للحكومة الجديدة ورئيسها الدكتور نواف سلام بعد تأكيده على دعمها، ورافعة تعويضية للطائفة السنّية بعد الاعتراضات على طريقة تشكيل الحكومة وحصر اختيار تمثيل الوزراء السنّة بشخص الرئيس سلام، ومع ذلك ستقلع الحكومة بمن حضر وستنال ثقة نيابية وازنة من معظم الكتل، وسينطلق قطار تنفيذ ما أمكن من تعهدات وما سيرد في البيان الوزاري، لا سيما لجهة تطبيق الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية، والأهم تطبيق ما لم يطبق من بنود وردت في اتفاق الطائف وحدّدها رئيس الحكومة في مقابلته التلفزيونية.

لعل أهم تحدٍّ أمام العهد والحكومة هو الإصلاحات البنيوية في هيكلية الدولة وفي النظام السياسي الطائفي، وبعضها ورد في اتفاق الطائف، لا سيما لجهة وضع قانون انتخابي متوازن في دوائره الانتخابي ولا يخضع لحسابات القوى السياسية وخارج القيد الطائفي، بدءا من وضع الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية على سكة التعيين ولتأخذ وقتها في البحث والدراسة، وصولا الى تشكيل مجلس الشيوخ لتمثيل الطوائف. ولابد هنا من الإشارة الى ان اتفاق الطائف هو صناعة سنّية قلبت النظام اللبناني من نظام شبه رئاسي مسيحي الى نظام حكومي – برلماني وبرضى ممثلي المسيحيين في المجلس النيابي وقتها.

 

كان سعد الحريري من دعاة تطبيق الطائف، لكنه كما غيره عجز عن استكمال تطبيقه بسبب تعقيدات الظروف والتوازنات السياسية والطائفية وتشابك واختلاف المصالح، وإذا قرّر في خطابه اليوم إعلان عودته أو على الأقل عودة «تيار المستقبل» الى الحياة العامة بخوض الانتخابات البلدية بداية، فإن رافعة الحريري ستقلب الموازين وتصحّح البوصلة الشعبية والسياسية التي اختلّت اتجاهاتها بعد غيابه هذه السنوات، وهو ما أدّى الى تشرذم القوى السياسية السنّية والى ضعف تأثيرها في الحياة العامة.

وإذا كان الحريري أول من تبنّى مطالب الحركة الشعبية عام 2019 بالإصلاحات ووقف الفساد واستقال من الحكومة لفتح المجال أمام «قوى التغيير» التي فشلت في تحقيق شعاراتها خلال خمس سنوات، فمن الأوْلى به في حال عودته الى الحياة العامة والسياسية أن ينطلق من تبنّي خطة عمل واضحة للضغط من أجل تحقيق هذه الإصلاحات، وهو قادر بتحالفاته المحلية وبقوة جمهوره العابر للطوائف من تحقيق التأثير المرتجى ولو تدريجياً وبصعوبة نتيجة العوائق القائمة، ذلك ان الواقع السياسي الحالي بتوازناته السياسية والطائفية الداخلية عامل غير مساعد على بدء الإصلاحات، ولا يبدو انه سيتغيّر كثيرا برغم الضغوط الخارجية العربية والدولية لولوج الإصلاحات وربطها بتقديم المساعدات للبنان، هذا في حال استبعدنا الشروط السياسية الدولية المتعلقة بوضع المنطقة وكيفية حل الصراع العربي – الإسرائيلي والتوجهات القائمة لدى الإدارة الأميركية لطمس القضية الفلسطينية وتحويل حق الشعب الفلسطيني ببناء دولته على أرضه، الى قضية عقارية وتجارية واقتصادية للبيع والشراء، وبخاصة بعد المعلومات عن ان قطاع غزة يعوم على بحر من الثروة النفطية والغازية ما أثار شهية الرئيس ترامب لاستثمارها.

 

لذلك تبدو مهمة الحكومة صعبة في تحقيق الإصلاحات بلا رافعات داخلية وخارجية وقناعات لدى القوى السياسية، ولا سيما منها التي كانت تقليدية حتى الأمس القريب وشاركت في معظم الحكومات ونالت كغيرها حصصها ومنافعها منها، ثم تحوّلت بسحر ساحر الى «قوى تغييرية إصلاحية». ويبدو العهد والحكومة أمام واقع غير مساعد على تحقيق التعهدات التي وردت في خطاب قسم رئيس الجمهورية وفي بيانات ومواقف الرئيس سلام، اللهم إلّا إذا تلقّيا جرعة دعم قوية وضاغطة، يبدو الرئيس سعد الحريري أحد أقوى أطرافها المحليين، سواء عاد الى العمل السياسي المباشر أو بقي في الظل لكن له تأثيره السياسي والمعنوي، وهو ما يُعوّل عليه جمهوره الكبير.