IMLebanon

ورثة الطوائف في الانتخابات اللبنانية

 

للانتخابات النيابية اللبنانية هوامشها، التي تضفي مفارقات، بعضها مسلٍ، لكن معظمها يؤشر إلى تفاهة الحياة العامة وإلى انعدام الحصانة الأخلاقية وانخفاض منسوب الذكاء.

ظاهرة الأبناء الورثة، مثلاً، بدأت تطل برأسها. صحيح أنها ليست جديدة، إنما ثمة أبناء جدد. فمن المثير للفضول مثلاً أن نشاهد، نحن الناخبين، النائب طلال إرسلان بصحبة نجله يزوران شيخ عقل الطائفة الدرزية. وأن نعرف أن الوزير سليمان فرنجية سيرشح نجله طوني إلى الانتخابات. وكم يبدو مسلياً أن يلتقي طوني بك فرنجية مع تيمور بك جنبلاط، وأن نتخيلهما، وهما يستغيبان الابن البكر للوزير السابق وئام وهاب، فالأخير اصطحب نجله أيضاً في إحدى المناسبات السياسية.

والحال أن الأبناء ربما كانوا أشد رأفةً بنا من آبائهم، علينا أن نفكر في ذلك طالما أنهم قَدَرنا. الأبناء من المفترض أنهم ذهبوا إلى مدارس وجامعات، وهذا ما لم يفعله الكثيرون من آبائهم. وهم متعثرون بعبارة الـ «بك» على نحو ما تشير هيئاتهم وهم يلهون أمام أعيننا بما ترك لهم آباؤهم من إرث وسياسة وطوائف. تيمور ورث الدروز وطوني ورث زغرتا وقضاءها وقدرها، ونجل وهاب ورث الجناح المقاوم من طائفة الموحدين، لكنه يتنافس عليه مع نجل المير طلال.

هذا ليس هذراً أسود، على رغم أنه قد يصح عليه ذلك. الاستسلام لأقدارنا مع هؤلاء الورثة يملي علينا أن نفتح كوة في جدار قبولنا هذه الأقدار. ربما يُخفف عنا أن نلاحظ أن سامي الجميل أفضل من أمين الجميل، وأن تيمور شاب خجول ووريث دمث. لا بأس علينا إذاً، فالتوريث ليس ذروة السوء، إذ إن الفساد والاستتباع يتقدمه في مسابقة البؤس التي تنتظرنا في الانتخابات النيابية العتيدة. لكن، وفي سياق تدقيقنا في الوجوه الجديدة التي بدأت تلوح مع اقتراب الاستحقاق، علينا، نحن خصوم «حزب الله» مثلاً، أن لا نشيح وجوهنا عن حقيقة أن خصمنا لا يورث، فهو قادم إلى السلطة من خبرة أخرى، فولاية الفقيه مطلقة لصاحبها لكنها ليست حقاً لورثته في العائلة. وهنا علينا أن نغبط خصومنا في الحزب على هذه المصادفة، وأن نفكر في أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعيش من دون وريث، حتى الآن، وهذا أيضاً من مفارقات الحياة العامة في لبنان.

غابة الورثة تغطي سماءنا، ثم تنفرج في المساحة التي تشغلها القوى الشيعية، لتعود وتحتدم في بيئة المسيحيين على نحو غريب. فلرئيس الجمهورية ميشال عون عشرات الورثة في عائلته. أصهاره الثلاثة وبناته الثلاث وابن شقيقته، وقريبه البعيد في زحلة. ولحزب الكتائب وريث كبير هو سامي الجميل، ووريث فرعي هو نديم الجميل. وحرب التوريث في زغرتا لا تنتهي، وهي، وإن رست عمودياً على سليمان فرنجية ثم طوني ثم سليمان الثاني ثم طوني الثاني، إلا أنها كانت جاءتهم أفقية من حميد شقيق الجد، والذي أنجب الراحل سمير الذي كان اختار مساراً آخر، وعندما قرر العودة، وصل متأخراً.

التوريث في لبنان مسيحي ودرزي بالدرجة الأولى. في حالته الشيعية كان متعثراً وغير موفق (آل الأسعد وآل حمادة وآل عسيران)، وفي حالته السنية مثّل قدراً انحدارياً للعائلات السياسية المورثة (آل سلام وآل الصلح وآل كرامي). في الحالة الشيعية كفّ التوريث عن أن يكون أداة لنقل الزعامة على ما يبدو، وفي الحالة السنية ما زال يقاوم، إلا أنه لن ينتصر على ما يبدو. فرفيق الحريري لم يُورّث بإرادته، ذاك أن المأساة التي حلت في العائلة في ذلك اليوم هي ما أملى وصول الزعامة إلى سعد. أما الورثة الآخرون في الطائفة، فأحجامهم تكاد لا توازي أكثر من 10 في المئة من الإرث الذي وصل إليهم. على المرء، في ضوء هذه المعطيات، أن يسأل نفسه عن قيمة التفاوتات الاجتماعية، طالما أنها تفضي إلى مصائر لا تنسجم مع ما يفترضه. «حزب الله» لا يورث، والمسيحيون يورثون! ألا تحمل هذه المعادلة مفارقة؟