IMLebanon

لبنان يدفع ثمن قيام «عهد حزب الله»  

 

 

اكثر من طبيعي اعتذار سعد الحريري عن عدم القدرة على تشكيل حكومة لبنانيّة معقولة. يتبيّن من الأسماء التي اختارها سعد الحريري انّ تشكيلة الحكومة التي عرضها على رئيس الجمهوريّة ميشال عون، والتي رفضها الأخير، تشبه لبنان الغد وليس لبنان «حزب الله» او الرئيس وصهره جبران باسيل. من هذا المنطلق كان اعتذار رئيس الوزراء المكلّف اكثر من طبيعي وذلك لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى انّ ميشال عون رفض منذ البداية ان تكون هناك حكومة لبنانيّة برئاسة سعد الحريري وقرّر وضع كلّ العقبات في وجه تشكيل حكومة تمتلك حدّا ادنى من الكفاءات كي تتمكن من العمل على بدء وضع حد للانهيار اللبناني. لا يشكّل لبنان ومستقبل اللبنانيين وابنائهم همّا لميشال عون. همّه الوحيد وصول جبران باسيل الى موقع رئيس الجمهورية عندما تنتهي ولايته في 31  تشرين الاوّل  – أكتوبر 2022…

 

امّا «حزب الله» الذي أوصل ميشال عون الى موقع رئيس الجمهوريّة، والذي يتحكّم بكل صغيرة وكبيرة في البلد، فهو يعطي الاولويّة للغطاء المسيحي الذي يشكّله الثنائي ميشال عون – جبران باسيل لسلاحه غير الشرعي، وهو سلاح في خدمة ايران. لا ترى ايران في لبنان سوى ورقة من اوراقها الإقليمية. تستخدم هذه الورقة، مثلما تستخدم اليمن وسوريا والعراق في ضغطها على الادارة الاميركية  من اجل العودة الى الاتفاق النووي الموقّع في العام 2015 ورفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على «الجمهوريّة الاسلاميّة». تعتقد ايران انّ لديها اوراقها الضاغطة وأنّ على الإدارة الأميركية الرضوخ لها.

 

على الرغم من انّ المنطق يقول انّ اقلّ ما يُفترض بميشال عون عمله هو تقديم استقالته، يبدو واضحا انّ مثل هذا الامر غير وارد. لا يبدو رئيس الجمهوريّة قادرا على استيعاب ما يمرّ فيه لبنان وذلك منذ انهيار النظام المصرفي، ومنذ تفجير مرفأ بيروت، ومنذ غياب الكهرباء والوقود في المحطات… ومنذ لم يعد لبنان جامعة الشرق الأوسط ومركزه الإعلامي وبيروت المدينة التي يطمح الى زيارتها كلّ عربي واجنبي.

 

يعيش ميشال عون في الأوهام. لو لم يكن في هذا الوضع لكان قرأ ما ورد على لسان ممثل الاتحاد الأوروبي في لبنان جوزيب بوريل الذي علّق على اعتذار سعد الحريري بقوله: «يأخذ الاتحاد الأوروبي علماً باعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، ويأسف بشدة لاستمرار الجمود السياسي في البلاد، فضلاً عن عدم إحراز تقدم في تنفيذ الإصلاحات العاجلة.

 

لقد مضى عام تقريباً على عدم وجود حكومة ذات صلاحيات كاملة في لبنان، مما أدى إلى أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة لا يزال الشعب اللبناني يواجه عواقبها المأسوية.

 

وتقع على عاتق القادة اللبنانيين مسؤولية حل الأزمة الحالية الذاتية الصنع. وثمة حاجة إلى الوحدة والمسؤولية لمواجهة التحديات المتعددة للبلاد وتلبية التطلعات المشروعة للشعب اللبناني.

 

ويدعو الاتحاد الأوروبي مرة أخرى جميع القوى السياسية اللبنانية إلى دعم التشكيل العاجل للحكومة. وينبغي أن تبدأ الاستشارات النيابية لهذا الغرض من دون تأخير. ويحتاج لبنان إلى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الرئيسية الاقتصادية والخاصة بالحوكمة والتحضير لانتخابات عام 2022، والتي يجب إجراؤها في موعدها المحدد.

 

ويبقى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضرورياً لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي.

 

ويعتبر استقرار لبنان وازدهاره أساسيين للمنطقة ككل ولأوروبا. ويجدد الاتحاد الأوروبي دعمه القوي المستمر للبنان وشعبه، ولاستقراره وأمنه وسلامة أراضيه وسيادته واستقلاله السياسي».

 

هل من وضوح اكثر من هذا الوضوح في تحديد ما يعاني منه لبنان؟ المشكلة ان رئيس الجمهوريّة لا يريد ان يسمع بحكومة «ذات صلاحيات كاملة في لبنان». بكلام أوضح، لا يمكن لـ»حزب الله» قبول مثل هذه الحكومة التي تعتدي على صلاحياته المطلقة.

 

لا يزال ميشال عون يعتقد انّ لديه صلاحيات. لم يأخذ علما بانّ كلّ الصلاحيات لدى «حزب الله» الذي يناسبه الوضع القائم تماما. مثل هذا الوضع يجعل من لبنان مجرّد «ساحة» ايرانيّة. يهمّ الحزب بقاء ميشال عون وجبران باسيل غارقين في اوهامهما، خصوصا لجهة ان الحزب سيفرض جبران باسيل رئيسا للجمهوريّة مثلما سبق له ان فرض ميشال عون في العام  2016.

 

ليس هناك ما يبرّر الخطيئة التي ارتكبها سعد الحريري في 2016 عندما راهن على ان ميشال عون الذي وقّع اتفاقا مفاجئا مع سمير جعجع سيكون بمثابة «بيضة القبان» وسيكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين. صحيح انّه كان مفترضا بسمير جعجع تفادي الدخول في تجربة جديدة مع ميشال عون، خصوصا انّه قد يكون اكثر شخص يعرف بأدقّ التفاصيل مدى احترام رئيس الجمهوريّة الحالي للاتفاقات التي يوقّعها، لكن الصحيح أيضا ان سعد الحريري كان يجب ان يستفيد من خبرة الذين حذروه من وصول مرشّح «حزب الله» الى موقع رئيس الجمهوريّة. كان الفراغ في رئاسة الجمهورية افضل بكثير من ان يكون ميشال عون في قصر بعبدا مع صهره جبران باسيل.

 

يدفع لبنان ثمن قيام «عهد حزب الله». هناك رئيس للجمهوريّة، حاقد على اهل السنّة، يعتقد انّ في استطاعته استعادة «حقوق المسيحيين» بسلاح «حزب الله». كلّ ما في الامر ان سعد الحريري سعى الى فرض نفسه لاعبا في «ساحة» يرفض فيها «حزب الله» ان يكون لديه أي شريك فيها. لذلك، كان طبيعيا الّا تعجب الحكومة التي طرحها الحزب وأن يتولّى ميشال عون وضع العراقيل التي دفعته الى الاعتذار.

 

يبقى السؤال كيف سيعالج المجتمع الدولي الوضع اللبناني الذي حدّد الاتحاد الأوروبي في بيانه العلل التي يعاني منها. المخيف انّ ليس ما يشير الى ان المرجعيّة السياسية في لبنان، وهي «حزب الله» مهتمّة بأيّ انقاذ للبلد او لمواطنيه وأنّ لا اعتراض لدى المجتمع الدولي على ذلك. اين مشكلة «حزب الله» اذا هاجر معظم اللبنانيين من البلد؟ اين مشكلة لبنان من وجهة نظر ميشال عون اذا لم يبق مسيحي واحد في لبنان؟ سيظلّ ميشال عون وصهره يناديان بـ»حقوق المسيحيين» في لبنان حتّى لو لم يبق مسيحي واحد في البلد… يظلّ الوصول الى قصر بعبدا، بأيّ ثمن كان، اهمّ بكثير من تهجير المسيحيين من البلد!