IMLebanon

40” حزب الله”… 40 سنة من الانتصارات على لبنان

 

 

ليس احتفال “حزب الله” بذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيسه حدثاً عاديّاً في التاريخ اللبناني الحديث. بات في استطاعة الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، الإعلان في سنة 2022 أنّه استطاع تحقيق أهدافه.

 

من حقّ الحزب الاحتفال بتحقيق انتصار نهائيّ بالضربة القاضية على لبنان الذي أصبح جِرماً يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. لا يدلّ على ذلك أكثر من النشاط الإسرائيلي الذي بدأ حديثاً في منطقة الخط البحري الرقم 29 في مجال استخراج الغاز. تستعدّ إسرائيل لاستخراج الغاز فيما لبنان كلّه يدور في حلقة مقفلة في انتظار ما يقرّره الحزب وما ترضى عنه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

 

في أربعين عاماً، منذ دخول مجموعة من “الحرس الثوري” الإيراني منطقة بعلبك وتمركزها في ثكنة تابعة للجيش اللبناني (ثكنة الشيخ عبدالله) تمهيداً لتأسيس “حزب الله”، تحقّقت لإيران سلسلة من الانتصارات على لبنان. استطاع “حزب الله” القضاء على كلّ مقوّمات الوطن الصغير عبر سلسلة من الانتصارات حقّقها على كلّ الطوائف فيه. بدأت الانتصارات بتغيير طبيعة المجتمع الشيعي، الذي لا يزال قسم منه يقاوم ويرفض تغيير نمط حياته، بشكل جذريّ. لم يبقَ من البلد شيء باستثناء أنّه ورقة في يد إيران التي لم تعُد تعرف ما الذي تريد باستثناء السعي إلى اعتراف أميركي بها كقوّة مهيمنة في الشرق الأوسط والخليج

 

لا يمكن تجاهل أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” عرفت دائماً ما الذي تريده في لبنان ومنه. عرفت دائماً كيف تضرب وأين تضرب ومَن تغتال وكيف تستخدم المعادلة الذهبيّة التي جرّبتها في البداية ونجحت فيها مع حركة “أمل” عندما هزمتها في حرب إقليم التفاح في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي.

 

إنّها معادلة السلاح يحمي الفساد التي انتقلت بعد ذلك إلى تطبيقها بنجاح مع قسم من المسيحيين انطلاقاً من وثيقة مار مخايل. كانت تلك الوثيقة بين حسن نصرالله وميشال عون بداية تعاون جديد ومثمر بين الجانبين صبّ في مصلحة الحزب الذي أثبت أنّه صار الطرف الذي يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة المسيحي في لبنان، وصار مرجعية هذا الرئيس.

 

التغطية العونية للسلاح

 

تولّى الجانب العونيّ تغطية سلاح “حزب الله” وتولّى سلاح الحزب تغطية الممارسات العونيّة، خصوصاً في مجال وضع اليد على مرافق معيّنة مثل الكهرباء التي درّت على الجيوب عشرات ملايين الدولارات منذ عام 2008 وصولاً إلى غيابها عن البلد منذ سنوات عدّة بعدما ترتّب مزيد من الدين الخارجي على لبنان. تفوق قيمة هذا الدين الجديد خمسين مليار دولار!

 

ثمّة انتصارات ذات معنى كبير حقّقها “حزب الله” على لبنان. لكلّ من هذه الانتصارات رمزيّته. ليس صدفةً أنّ الحزب استهدف رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت ديفيد دودج في أوّل عملية خطف له في عام 1982. أُفرج لاحقاً عن دودج في طهران، التي نُقل إليها عبر مطار دمشق، وليس في أيّ مكان آخر. بقيت الجامعة الأميركية التي ترمز إلى الانفتاح وثقافة الحياة هدفاً دائماً للحزب الذي غطّى نفسه بمقاومة إسرائيل. استهدف الحزب ومِن خلفه إيران في كلّ وقت التعليم في لبنان، إضافة إلى الانفتاح اللبناني على المحيط العربي وعلى العالم الحضاري!

 

ليس صدفةً، أيضاً، أنّ الحزب لم يستهدف في البداية السُنّة في بيروت الغربية على نحو مباشر. استهدف، من أجل التغلغل في الأحياء ذات الأكثريّة السنّيّة مثل المصيطبة والمزرعة وزقاق البلاط والوتوات ورأس بيروت والبطريركية، تهجير المسيحيين اللبنانيين من أبناء تلك الأحياء، فضلاً عن الأرمن والمسيحيين من أصل فلسطيني. فعل ذلك بموجب خطة مدروسة تصبّ في إيجاد موطئ قدم ثابت في بيروت الغربيّة تمهيداً للانقضاض عليها وعلى أهلها لاحقاً. هذا ما حصل بالفعل في أيّار من عام 2008.

 

في سياق الانتصارات التي حقّقها الحزب، وبالتالي إيران، على لبنان واللبنانيين، يمكن الحديث عن محطّات عدّة كانت بمنزلة منعطفات. يبدأ ذلك باحتكار “المقاومة” في جنوب لبنان وكيفيّة التعامل مع الانسحاب الإسرائيلي في أيّار من عام 2000، إذ أُبقيت مزارع شبعا مسمار جحا لتبرير احتفاظ الحزب بسلاحه الذي استُخدم لاحقاً في عملية تفجير رفيق الحريري. لم يستهدف التفجير الرجل الذي أعاد الحياة إلى بيروت فحسب، بل كان تعبيراً عن كميّة ضخمة من الحقد على المدينة وعلى لبنان وعلى المشروع الوحيد الذي استهدف إعادة لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد حرب 1975 وما تلاها من حروب وأحداث.

 

في ضوء اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، واضطرار بشّار الأسد إلى سحب جيشه من لبنان، ورث الاحتلال الإيراني للبلد الاحتلال السوري. في غياب القدرة على إخضاع اللبنانيين، صار مطلوباً ضرب كلّ شريان حياة في لبنان. هذا ما يفسّر عزله عربيّاً، وهذا ما يفسّر تدمير النظام المصرفي الذي كان يلعب دوره في بقاء الطبقة المتوسّطة على قيد الحياة.

 

في أربعين عاماً، فَقَد لبنان كلّ شيء، بما في ذلك مرفأ بيروت. فَقَد كلّ ما يبقيه على قيد الحياة، باستثناء أبنائه المقيمين في الخارج. حصل ذلك بعدما وجد “حزب الله”، الذي لا ينظر إلى البلد إلّا من خلال أجندته الإيرانيّة، في الثنائي ميشال عون – جبران باسيل ضالّته.
في أربعين عاماً، حقّقت إيران، عبر “حزب الله”، كلّ الانتصارات التي تريد تحقيقها على لبنان. يبقى السؤال: ما الذي ستفعله بهذه الانتصارات؟ وبماذا ستفيدها في عالم تتغيّر فيه المعادلات بأسرع ما يمكن، بما في ذلك أنّ لبنان لم يعُد ورقة صالحة لابتزاز العرب والغرب عموماً، بما في ذلك أوروبا وإسرائيل، في شيء…؟