IMLebanon

حزب الله و«التسوية».. من يأخذ ومن يُعطي؟

فلنبدأ من الآخر، «التسوية» لا مَهْرب منها ولا مفرّ لإخراج لبنان من عنق الزّجاجة، هي لا بُدّ «نهاية» هذا المشهد المعقّد والأفق المقفل، سواءً أذهبنا إليها بقرار داخلي أم مكرهين بقرارٍ دولي كما اتفاق الطائف أم كما اتفاق الدوحة ولكن؛ ثمّة شياطين كثيرة تكمن في هذه التسوية، وثمّة «نقزة» حقيقيّة من تجربة التنازلات المريرة التي قُدّمت طوال سنوات عشر وذهبت هباءً!!

بالأمس طرح النائب أحمد فتفت سؤالاً عن نقطتين تحتاجان إلى جلاء، وهما بالفعل تختصران مخاوف اللبنانيين بغالبيتهم باستثناء الموالين لإيران وبشّار الأسد، والنقطة الأولى هي: هل حزب الله جدّي وهل يريد بالفعل إعادة بناء الثقة مع «المستقبل»، فإذا كان جدّياً فليعلن إذن موافقته على الرئيس التوافقي، والنقطة الثانية: ما مصير سرايا المقاومة؟»

وهنا نقول بشفافيّة: اللبنانيّون عموماً باستثناء الموالين لإيران وأجندتها وبشّار الأسد، لا يثقون نهائيّاً بحزب الله، بسبب سياسة التقيّة والخداع التي مارسها دائماً ـ منذ الوعد الكاذب بصيف هادئ عام 2006 فجرّ الحزب لبنان إلى حرب تموز الطاحنة ـ وكلّما ارتدّ حزب الله إلى الدّخل ودخل في مناورة تهدئة اللعبة والحديث عن الحوار وهم هذه المرّة يتوجسّون خيفة، فتجربتنا وخبرتنا بسياسات التقيّة التي يمارسها الحزب تجعلنا متيقنين أنّه «مين جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب»، فكيف إذا كان هذا المُجَرّب ما يزال يضع على طاولة الحوار، والحديث عن «التسوية» يظلّله مئة ألف صاروخ غير السلاح النثري هنا وهناك، ومع كلّ هذه التّرسانة تكون التنازلات انتحاراً وليس خياراً!!

دعوة أمين عام حزب الله حسن نصرالله في 11 الجاري إلى «تسوية سياسية شاملة على المستوى الوطني»، وتطييره لمبادرة الرئيس سعد الحريري التي أنقذت لبنان والجلسة النيابيّة التشريعيّة، والتي التزم فيها بعدم المشاركة بأي جلسة تشريعيّة لا يكون إقرار»قانون إنتخابي» البند الأوّل على جدول أعمالها، ويتصرّف حسن نصرالله كعادته من موقع «مرشد الجمهوريّة»، فقرّر وضع الأمور الأساسية كلّها في سلة واحدة، فوضع من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة المستقبلية، رئيس الحكومة، تركيبة الحكومة، المجلس النيابي وعمل المجلس النيابي، قانون الانتخاب!!

»شو هالتّسوية» التي سيقاسم فيها حسن نصرالله  المسيحيين في اختيار من يمثّلهم في الرئاسة الأولى، وسيفرض على المسلمين السُنّة من يُمثّلهم في الرئاسة الثالثة، وسيفرض على رئيسيْ الجمهوريّة والحكومة تركيبة الحكومة، ثمّ سيفرض على لبنان «عمل المجلس النيابي» إذ لم يتنبّه أحد أنه توقّف طويلاً عند الدستور وإشكاليّة من يُفسّره، ويبدو أنّ حسن نصرالله سيحتفظ لنفسه بمهمّة تفسير الدّستور وتركيب «دَيْنة جرّته» بما يُناسب أجندته، ثمّ يقول لنا لاحقاً بأن هذا كلّه تحت سقف «اتفاق الطائف»، مع أنّ الطائف لم ينصّ لا على التعطيل ولا الاستفراد ولا اختطاف الرئاسة الأولى ولا شلّ البلاد، بل نصوصه واضحه لمن يريد «مصلحة البلد» كما قال نصرالله، وهنا علينا أن نسأله: أين كانت مصلحة البلد على أجندته في السنوات العشر الماضية؟!

لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ مرّتين [صحيح البخاري]، وقد لُدِغْنا من جحر حزب الله عشرات المرّات، ليس لأننا لسنا مؤمنين، بل لأننا طوال السنوات العشر تصرفت قياداتنا على أنّنا أمّ الصبي، ولكن بصراحة لقد أوصلنا حزب الله إلى «كراهية» لعب هذا الدّور، من كثرة «التقيّة» و»المكر» و»الحنث بالوعود» و»إسقاط الاتفاقات» و»التراجع عن الاتفاقات»، فكيف نثق بمن دينُهُ وديْدنه التقيّة؟! كلّ التجارب مع حزب الله يصحّ فيها قول الشّاعر: «ومن يصنعِ المعروفَ معَ غيرِ أهْلِهِ/ يُلاقي كما لاقى مُجيرُ أمِّ عامرِ (الضَّبْعَة)/ فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاءُ من/ يجودُ بمعروفٍ على غيرِ شاكرِ»!!

في 11 الجاري قال حسن نصرالله: «عندما أقول تسوية يعني «العالم بدا تاخذ وتعطي» من أجل البلد ومصلحته»، وهذا الحديث عن الأخذ والعطاء مريب، فماذا يريد حزب الله أن يأخذ بعد، من الواضح أنّه يُريد تسمية من سيجلس في سُدّة الرئاسة الأولى في قصر بعبدا، ويريد تسمية رئيس حكومة وتكبيله بوزراء التعطيل «ما غيرن»، ويريد أيضاً قانون انتخابي مفصّل على قياسه هو وحلفائه، فمن يعيد قراءة ما قاله نصرالله في تعريف قانون الانتخاب يُدرك أنّ وراء الأكمة ما وراءها إذ قال: «قانون الانتخاب يعني لمن تسلم مصيرك ودمك وعرضك ووجودك ومستقبلك وسيادتك وحريتك واستقلالك»، وهنا بالتأكيد هو يقصد تسليم لبنان لسلاح حزب الله!!

ونعود إلى حيث بدأنا؛ التسوية حتميّة وكل اللبنانيّون يريدون أن يخرجوا من هذا النفق الأسود، ولكن تقديم التنازلات ليس قدراً، خصوصاً أنها مفروضة دائماً على فريق واحد، وكلّ التجارب السابقة تؤكّد أنّ حزب الله يمكرُ بلبنان واللبنانيين ويُنفّذ أجندة إيرانية، بل هو حزب إيراني من ألفه إلى يائه، لذا من واجبنا لفت نظر الذاهبين إلى التسوية بأن لا يكرّروا نفس الخطأ عشرات المرّات، وأن يتأمّلوا مليّاً أبيات أبي العتاهية في قصيدته «خداع الأماني» ومنها: «الدّهر ذو دولٍ والموتُ ذو عللٍ/ والمرءُ ذو أملٍ والنَّاس أشباهُ/ ما كلُّ ما يتمنّى المرءُ يدركُهُ/ رُبَّ امرئٍ حَـْتُفُه فيما تمنَّاهُ»!!