IMLebanon

«حزب الله».. «خسارات» على طريق التسويات

 

يصعب على «حزب الله» بعد مضي ست سنوات تقريباً على انزلاقه في الحرب السورية، أن يرتضي لنفسه الخروج من هذا المستنقع بعد كل «الخسارات» التي مُني بها طيلة فترة قتاله، من دون تحقيق أي مكتسبات يُمكن أن تعوّضه عنها أو أن يُجاهر بها أمام خصومه وبيئته على حد سواء إذا ما اضطرته الظروف ذات يوم، للكشف عن «الإنجازات» التي حقّقها مقابل كمية الخسائر الباهظة والمُكلفة التي تكبدها، والتي يبدو أنها في تزايد مستمر، طالما أن جبهات القتال بالنسبة إليه، تندرج في إطار «الربح والخسارة».

تترافق التسويات والمفاوضات التي يعقدها «حزب الله» مع جبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً) حول المناطق بالإضافة إلى أسرى وجثث مقاتلين من الطرفين، مع تسويات ميدانية مسرحها الجرود تهدف إلى انسحاب الجماعات المسلحة منها باتجاه قرى وبلدات آمنة، وذلك على غرار الخطوات التي تُتخذ في الداخل السوري بين النظام والفصائل المُسلحة ضمن ما يُعرف بـ «المناطق الآمنة» برعاية أميركية – روسية. وفي آخر التسريبات حول المفاوضات القائمة بين الحزب و «النصرة» في شأن الانسحابات من الجرود، أنها وصلت إلى طريق شبه مسدود، إذ يُصر الحزب على خروج الجبهة بشكل كامل باتجاه إدلب، بينما تسعى الأخيرة إلى الحصول على تعهّد واضح يسمح لها بالعودة واسترجاع بلدات في القلمون من بينها بلدة يبرود.

مقابل تلك التسويات التي تتأرجح بين مد وجزر وذلك بحسب القرارات التي تُهيمن على مصير «حزب الله» بشكل عام، ثمة خسائر في الأرواح ما زالت تُلاحق الحزب من جبهة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى، وآخرها مقتل العنصر أحمد محمد حسن البزال من بلدة البزالية البقاعية، من دون أن يكشف الحزب عن التفاصيل أو الأسباب. واللافت أن نعي البزال، جاء بعد ساعات قليلة على استهداف طائرة أميركية لقافلة عسكرية سورية على طريق دمشق – بغداد في مكان يبعد نحو 40 كلم عن معبر يفصل بين الأراضي السورية والعراقية. وكان سبق ذلك، تشييع «حزب الله» العنصر مصطفى أحمد فواز من بلدة الغسّانية الجنوبية وسكان بلدة قعقعية الصنوبر. وتأتي هذه الخسائر، بعد مضي أقل من أسبوع على سقوط قائدين عسكريين للحزب في سوريا.

ومنذ أيام، تناقلت مواقع يُشرف عليها حلفاء لـ«حزب الله»، صوراً وأسماء لعناصر من الحزب قيل إنهم سقطوا خلال تأديتهم «الواجب الجهادي»، وقد تراوح عددهم بين ثلاثة وستة عناصر لكن من دون أن يصدر أي بيان رسمي عن دائرة إعلامه الخاص. وما هي إلا ساعات قليلة حتى ارتفع العدد إلى عشرة عناصر على المواقع نفسها. وانطلاقاً من هذه الأوجاع التي لا يبدو أن لها أفقاً قريباً يُمكن أن يُنهيها أو أقله يحد منها، يُشبّه الأهالي مقتل أبنائهم بالموت العابر للقرى والبلدات بحيث يزور بيوتهم من حين إلى آخر ليحصد منهم خيرة شبابهم. ولكن في المقابل يُصر الحزب على جعل جمهوره يكتوي بنيران حروب يبتكرها هو ويُلاحق شرارتها من مكان إلى آخر ليعود في كل يوم ويزفّ اليهم أخباراً موجعة وروايات مجبولة بالدماء.

الواضح أنه لم تعد هناك مشكلة لدى «حزب الله» في أن يُعلن يوميّاً، سقوط عدد من عناصره في سوريا أو في أي مكان في العالم، طالما أنهم يسقطون تحت شعار «الواجب الجهادي» الذي يُحتّم أو يفرض على كل منزل أو عائلة أن تتقبل مصابها بفرح ورضا وبـ«أسمى آيات التبريكات» بالإضافة إلى تقبّل التهاني بدل التعازي وعندها يُصبح الموت «عادة» وتتمثل الكرامة بـ «الشهادة». وفي هذه الأحوال تتحوّل الحياة كما الموت، إلى رهن إشارة من قيادة تبرع في تفصيل الأكفان والنعوش بمقاسات متعددة ومختلفة تتمدد في داخلها أجساد تعبت من التنقل على جبهات الموت وتعبت معها أمهات وزوجات، ينتظرن عند عتبة البيت أو شرفة المنزل، خبراً من خلف الحدود، يضع حدّاً للمكابرة والوعود.

وبالعودة إلى عملية التفاوض السريّة القائمة بين «حزب الله» و«النصرة» في الجرود، يُذكر أنه في السابع عشر من أيّار العام 2015، أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أنه «سيأتي اليوم الذي لا يكون فيه في الجرود اللبنانية لا داعش ولا النصرة ولا قاطعي الرؤوس، وأن لا خطوط حمراً أمام هذا الهدف المشروع، وأن الشعب اللبناني والبقاعيين قادرون على إلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية التكفيرية مهما كان دعمها، وأياً يكن من يقف وراءها». لكن اليوم وفي ظل انسداد الأفق في وجه الحزب والحؤول دون تمكنه من تحقيق أي إنتصار سبق أن وعد به، يبدو أنه قرّر خوض «المعارك» السياسية وطرق المفاوضات السريّة لتيقنه ربما، من استحالة تحقيق مشروعه التوسعي في منطقة القلمون الغربي أو في جرود عرسال.

كل هذه الخسائر، تزيد الناس اقتناعاً بأن الانسحاب الذي كان قد أعلنه نصرالله من مواقع على الحدود اللبنانية – السورية، لم يكن سوى مُخدر أو مُسكّن موقت للعديد من أهالي عناصر الحزب الذين كانت لهم صرخات «مقلقة» نوعاً ما خلال الفترة الأخيرة. وفي المشهد نفسه، ثمة معلومات أكدت أن «حزب الله» خسر العديد من عناصره في الأيّام الأخيرة في معارك في ريف حمص، وظلّت هذه المعلومات طي الكتمان إلى حين نعي الحزب لهم بشكل رسمي. واستباقاً منه لسقوط المزيد من عناصره في ريف حمص، أجرى «حزب الله» بعض التعديلات على سير معاركه هناك، وبعض التبديلات في الفرق وتطعيم بعضها بعناصر أخرى لديها كفاءات وتمتلك مهارات قتالية عالية.