حجر الأساس في الدولة القومية هو أن الدولة تملك حق حصرية استخدام القوة.
ويعتبر “حزب الله” على نطاق واسع أكبر تحدّ لاحتكار الحكومة استخدام القوة وجناحه العسكري غير متوافق مع السياسة اللبنانية بل يقوّضها.
التوسع الإيراني وانحسار نفوذ العالم الغربي سابقاً أوجد موطئ قدم للنظام الإيراني في لبنان وسمح بتقوية نفوذ “حزب الله”.
كل تلك العوامل المذكورة أعلاه منذ ظهورها هي مترابطة ومتصلة وتشكل الأساس وليست مجرد تصريحات، وهذه الأسس لا تتغير لأن مصدرها من الله نفسه.
تعتمد الثقافة السياسية العقائدية لـ “حزب الله” على مفهوم “التقية” التي تعني ممارسة أساليب الكذب والخداع في الميدان السياسي واعتماد الازدواجية في التعاطي مع الآخرين.
في عام 2009 قام “حزب الله” بنشر بيان جديد لمبادئه السياسية وقد تم حذف هدف إقامة دولة إسلامية غير أن هذا الهدف لم يبطل أبداً، في الواقع قرار مشاركة “الحزب” في الحياة السياسية بالإضافة إلى الرغبة في تغيير النظام الطائفي تشكل جميعها جزءاً من الأهداف السياسية الطويلة الأمد التي تتمحور حول قيادة العالم الإسلامي من خلال تغيير النظام، فالمشاركة النيابية لـ “حزب الله” هي وسيلة دمج للتأثير والقوة من أعلى إلى أسفل من خلال المؤسسات ومن الأسفل إلى الأعلى عبر القطاع المدني.
هذه المرونة والمناورة تشكلان جزءاً من الاستراتيجية الكبرى لـ “الحزب” للتكيف مع التغيرات مع الاحتفاظ بنفس الأهداف (قاسم، 2005).
“حزب الله” لا يمكنه التوقف عن أن يكون حزباً يتدخل خارج حدود الدولة وخارج حدود الدستور اللبناني وإذا تم نزع سلاحه أو جرى لبننته سيفقد سبب وجوده.
1- قاسم يثبت لنا أن “حزب الله” لم يتم “تحديثه” أو لبننته ولكن “الحزب” يستخدم لبنان كمنصة لتعزيز أهدافه. “مشاركتنا في البرلمان لن تغير المبادئ التي نتبناها […]”، “[…] ومشاركتنا في الانتخابات لن تدفعنا إلى التخلي عن مبادئنا”. وذكرنا حسن نصر الله، بأن “حزب الله” يستغل “نشاطه البرلماني للعمل من أجل تغيير النظام” (صحيفة السفير،1993 أيار/مايو).
2- لم يكتف “حزب الله” بتطوير منظمات شبيهة بالدولة، بل اعتمد أيضاً على المؤسسات والتحالفات السياسية اللبنانية لتعزيز مصالحه قبل مصالح لبنان.
على سبيل المثال:
وفي القطاع الصحي، تتداخل أنشطة وزارة الصحة مع الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ “حزب الله” التي تدير الصيدليات والعيادات والمستشفيات ومؤسسة الجرحى.
وتتداخل وزارة الصناعة والزراعة مع جهاد البناء، وهي شركة بناء تابعة لـ “حزب الله” أنشئت في عام 1988 كفرع لمنظمة جهاد البناء الإيرانية.
إن وزراء العمل والصناعة الذين تعاقبوا كانوا يتقاطعون ويعملون مع “النقابات العمالية” التابعة لـ “الحزب”.
بالنسبة لهذه المنظمة المسلحة فهي تعتبر نفسها صانعة القرار في قضايا الحرب والسلام في لبنان.
تفرض إيران من خلال “حزب الله” على لبنان (قاسم، 2005: 134) أن ينحاز إلى طرف معين في الصراعات والحروب التي تتجاوز الحدود اللبنانية، وهي تتجاهل بشكل صارخ وتعصي السياسات الخارجية للحكومة اللبنانية مثل السياسة الوطنية الرسمية للنأي بالنفس وعدم التدخل في الصراعات.
وبالنظر إلى أن “حزب الله” كان الهيئة الحاكمة في لبنان، فإن أنشطته العابرة للحدود الوطنية غير المشروعة أرغمت لبنان واللبنانيين على الدخول في محور المقاومة وفي “اللاءات الثلاث” التي لم يكن هناك توافق في الآراء بشأنها. وأدى فرض الإرادة هذا على لبنان إلى العزلة الإقليمية في القضايا الاقتصادية والسياسية، والأهم من ذلك موت العديد من اللبنانيين.
– منهج التقية المعتمد من هذا “الحزب” غير شرعي ظهر من خلال استراتيجيته للتواصل السياسي بعد حرب 2006 بينه وبين اسرائيل.
3- فقد اندلعت حرب عام 2006 (“حرب لبنان الثانية”) نتيجة لاختطاف “حزب الله” من جانب واحد جنوداً إسرائيليين.
صرح نصر الله أنه لو علم أن عملية الأسر هذه من شأنها أن يتشعل حرباً لما فعلوا ذلك.
ومع ذلك، كشف نعيم قاسم في عام 2005 أن “حزب الله” يدرك تمام الإدراك اعتماد إسرائيل على “العمليات التعاقبية” في سياستها الانتقامية ضد الاعتداءات.
كانت عواقب الحرب على لبنان مدمرة، حيث أودت بحياة 1109 مدنيين لبنانيين ومن أجل إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، كانت هناك حاجة إلى ما يقدر بنحو 4- 5 مليار دولار. وفي الوقت الذي سعت فيه الدولة إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بلبنان سارع “الحزب” الموالي لإيران في لبنان إلى توزيع “12 ألف دولار على كل أسرة”.
وقد زاد تورط “حزب الله” في الحرب السورية بشكل كبير من تدفق المنظمات الجهادية إلى لبنان. إن معارك “حزب الله” اللاحقة ضد تلك المنظمات يجب ألا تضللنا إلى الاعتقاد بأنها واحدة من أكثر القوى المقاتلة فعالية ضد داعش والتي تستخدم لتبرير لماذا يجب على لبنان واللبنانيين دعم هذا التنظيم الهجين.
يرجع السبب في الالتزام الراديكالي لعناصر “حزب الله” أساساً إلى خطة القيادة العليا التي ترتكز على أن “شخصية الفرد هي جوهر تكوين المقاومة” (قاسم، 2005: 69). فتذكرنا باستراتيجية موسوليني عندما ادعى: “انه يأخذ الرجل من مهده ولا يرجعه الا بعد موته”.
في الختام ، هذا موجز يسير عن أخطار استمرار هذه المنظمة التي لا يقتصر الخطر باستمرارها كفصيل مسلّح بل لا بد ولزاماً معالجة تكوين وجودها ومبرر استمرارها بالمنحى الإيراني، من هنا يجد هؤلاء استحالة باللبننة لكن لا بد أن تستمر المحاولات لجعل هؤلاء لبنانيين قبل أي شيء آخر.