لا يطرح «إتفاق وقف النار»، مسألة السلاح، لا عند حزب الله، ولا عند حماس. ظلت هذة المسألة غامضة في الإتفاق مع طرفي الحرب وإسرائيل. والبرهان على ذلك: أن مؤتمر الطائف، حين دعا لإنهاء الحرب في لبنان، تحدث بوضوح عن «نزع» سلاح الميليشيات. ولهذا سارعت جميع الميليشيات لتسليم سلاحها في كافة الأراضي اللبنانية، إما للجيش اللبناني، أو لقوات الردع العربية. ضمن المهلة المحددة. وتم إستثناء سلاح حزب الله، بإعتباره سلاح المقاومة برضا جميع الأطراف، بمن فيهم إسرائيل نفسها..
وطوال عقود، تمسّك حزب الله بسلاحه. وكانت له وقائع وحروب مع إسرائيل. وأهمها حرب تموز ٢٠٠٦، وحرب الإسناد لطوفان الأقصى-٢٠٢٣، المعروفة بحرب غزة. ناهيك عن حرب ١٩٩٦، حتى إنسحاب إسرائيل من لبنان العام ٢٠٠٠.
تتحدث حماس اليوم، بعد عامين على الحرب، وبعد دخول وقف النار حيز التنفيذ منذ أكثر من أشهر، أنها لم تلتزم أمام أية جهة من الجهات الدولية التي فاوضتها، على نزع سلاحها، أو عن التخلي عن سلاحها. أو حتى عن تسليم سلاحها. وهي صادقة في ذلك. وأن أي إتفاقا جرى بينها وبين إسرائيل، او مع الدول التي فاوضتها على وقف النار مع إسرائيل، لا ينص لا من قريب ولا من بعيد على تسليم سلاحها، أو نزعه، أو التخلي عنه، للتحول إلى الحياة المدنية و السياسية. ترك هذا البند مواربا، حتى يفسره كل طرف على هواه. وبالتالي تظل إمكانية العودة إلى الحرب، قائمة، لدى من ينهض للحرب، سواء من قبل حماس، أو من قبل إسرائيل، التي مناها وقرة عينها إستمرار الحرب، حتى آخر غزاوي في غزة.
كذلك فإن «إتفاق وقف النار»، الذي وقعه لبنان، ووقعته كذلك إسرائيل، لا ينص على «نزع» سلاح حزب الله جهارا أو صراحة. أو على «نزع» سلاح المقاومة. والتحول للحياة المدنية والسياسية. فقد تجنب المتفاوضون، إدراج هذا البند بكل صراحة ووضوح، كما في العهد في إتفاق الطائف. والحديث عن سلاح الشرعية الوحيد على الأراضي اللبنانية، إنما هو من قبيل تحصيل الحاصل. غير أن المطلوب هو التصريح الواضح الذي أعتمده إتفاق الطائف، لجهة «نزع» سلاح الميليشيات. والذي قال به بكل وضوح، وند عنه حزب الله، بإعتباره مقاومة وليس مليشيا، ليخضع لبند نزع سلاح الميليشيات. فهذا الأمر لم يتم في حينه. ولا هو واضح في إتفاق وقف النار الآن. بل ترك الحديث فيه مواربا. والدليل على ذلك، أن «حزب الله»، لا زال متمسّكا به جهارا ونهارا. على علمه أن العدو الإسرائيلي، مستمر وراءه، في طول البلاد وعرضها. وفي كل مرة، يتحدث فيه المراقبون، عن نزع سلاح حزب الله، يرتد القول إلى أصحابه: أين ورد ذلك صراحة في إتفاق وقف النار الأخير أو حتى القديم منه؟
ونحن لا نقول ذلك جزافا. فأمين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، يذكر في كل مرة، بعد تذوق اللبنانيين الاعتداءات الإسرائيلية، بأن المقاومة على أهبة الرد. وهي تنتظر موقف الدولة اللبنانية. وكذلك جهوزية الجيش اللبناني في الرد. يقول بذلك جهارا ودون مواربة، مستندا إلى إتفاق وقف النار الأخير، الذي لا بند فيه، لنزع سلاح الحزب أو المقاومة. حتى ولو طال الأخذ والرد، عن حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. أفلو كان الحزب يسلم بذلك، أثناء المفاوضات على وقف النار، فهل كان يتأخر المفاوضون عن إدراجه بندا واضحا وصريحا في ذلك. وما كان المسؤولون قد إحتاجوا لأخذه من حزب الله مواربة أو بالحياء. لأنه متمسك به أصلا، حتى آخر نفس، لأنه يمثل إكسير المقاومة والحزب على حد سواء. ولا داعي للتشاطر عليه، فهو أعظم شطارة منهم جميعا، ولو وقع في مصيدة الخسارة.
إتفاق وقف النار، في غزة وفي لبنان، هو إتفاق غامض وملغوم. وكل الذين يراهنون على أن هذا الإتفاق يشمل «نزع» سلاح حماس، وكذلك «نزع» سلاح حزب الله، فهم واهمون حقا، لأنهم لم يتوقفوا مليا عند قراءتهم لبنود هذا الإتفاق. فليس هناك كلمة نزع سلاح. ولا كلمة تسليم سلاح. ولا حتى كلمة التخلي عن السلاح. فهذا الموضوع لم يقارب بجدية، لا من قبل العدو الإسرائيلي، ولا من قبل جميع الأطراف المشاركة في صياغة بنود وقف النار. وبالتأكيد، كان هو أهم مطلب عند حماس وحزب الله، بعدم ورود نص حرفي ملزم بذلك. حتى يمكنهما التملص منه ساعة يشاؤون، مهما حارجهم المحارجون.
ونحن نعتقد، أن ما تصرح به حماس وما يصرح به حزب الله اليوم، لجهة التمسّك بالسلاح، مع التمسّك ببنود إتفاق وقف النار، هو أمر ينطلي فقط على الشعب في غزة وعلى الشعب في جنوب لبنان. والذي لا يزال يذوق كل يوم نيران العدو الإسرائيلي، بحجة أنه يطارد سلاح حماس وسلاح حزب الله. فتعمل آلته المدمرة في رقاب الشعب، ويهرب من نيرانه ويتخلى عن مسكنه وعن بلده وعن حقله. وهذا ما يشتهيه العدو الإسرائيلي، ويتطلع إليه. فهو يتحدث يوميا، عن منطقة منزوعة السلاح. وعن حزام أمني. وعن منطقة عازلة. وهو يغير رأيه كل يوم، بعد كل ضربة، في تحديد ما يحتاجه من نقاط مراقبة، ومن حدود للمناطق العازلة. وقد إستمرأ هذا النهج، في الإستلاء على الأرض، بحجج وذرائع ضعيفة وواهية، حتى توسع في مطالبه، ليشمل جنوب سوريا. وربما ضاحية بيروت و ضواحي دمشق، بالإضافة إلى كامل أراضي غزة والضفة. وربما لهذا إستمرأت إسرائيل نفسها، عندم تسجيل بند نزع السلاح، حتى تظل تحافظ على «مسمار جحا» في غاراتها اليومية. وهي لا تزال تسير بهذة الخطة الجهنمية، فتأخذ بعد إتفاق وقف النار، ما عجزت عن أخذه قبله. ولهذا ترك بند نزع السلاح، رضائيا من الطرفين، لينفذ من خلاله،كل طرف إلى ما يريد، ويظل الجمر تحت الرماد، حتى موعد إشتعال النيران مرة ثانية.
مسألة السلاح، صارت مسألة شائكة. يلعب عليها الإسرائيلي طوال الوقت، لإفراغ الأرض من أهلها. وهو غير مهتم حقيقة، بنزع السلاح، لأن ذلك يضعف من حججه الواهية. وأما الأحاديث الدائرة، لدى منظمة التحرير، ولدى الدولة اللبنانية، فهي لم تع بعد عمق الإشكالية التي تصنعها إسرائيل نفسها بنا. حتى تظل تستبيح الأرض والشعب، وتعمل على تهجيره بحجة مطاردة السلاح تارة وبحجة مطاردة المقاومة تارة أخرى! وبذلك يستمر الجمر تحت الرماد مشتملا ومشتعلا!
* أستاذ في الجامعة اللبنانية