إذا تلبّس الشيطان كائنًا بشريًا، جيء له بشيخ يقرأ له آياتٍ وأدعية لطرد الروح الشريرة عنه وإخراج الشيطان من الجسد المنهك… فماذا نفعل إذا تلبّس الشيطان وطنًا؟!
هذه هي حال لبنان منذ أن تلبّسه شيطان “حزب الله” وسكنه وأخذ يمتصّ قواه ويقتله ببطء وبدون رحمة وبأشكالٍ متعدِّدة، حتى بات “الحزب” هو الدولة، فسقط البلد وانهار ماليًا وأمنيًا وسياسيًا… وفشل كلّ من حاول إخراج “الحزب” من جسد الدولة، حتى برزت خشية من أنّ هذا الفصل سيؤدي إلى قتل الدولة.
أعلن جميع المتعاطفين مع لبنان يأسهم من شفائه وتركوه ليحاول حلّ مشكلته المزمنة مع “حزب الله” فلم تنفع نصائحهم ولا تهديداتهم، كما لم تنفع حربٌ ضروس قام خلالها الإسرائيليون بقتل رأس “الحزب” وقياداته حتى الصف الخامس، فأردت 11 ألفاً من جسم الحزب وأضافت إليهم 400 سقطوا في 4000 آلاف غارة شنتها إسرائيل منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار حتى اليوم.
هل يجوز أن يتمتع حزبٌ تسبّب بكلّ هذا الإجرام في قتل القيادات اللبنانية وفي ضرب مقوِّمات الدولة وفي تدمير الاقتصاد… بكلّ هذه الامتيازات التي يحظى بها، حتى بعد أن أصبح معاقاً وخسر الكثير من عناصر قواه.
كيف لعهد جديد وحكومة جديدة أن تتعاطى بهذا التراخي مع “حزب الله” وتستمرّ في اعتبار وفيق صفا حاكماً بأمر البلد، فيواصل تعطيله مسار التعافي وكأنّ حرباً لم تكن، وكأن مخاطر هائلة تحدق بلبنان بسببه غير قائمة.
ماذا ينتظر الرئيس جوزاف عون وقد انقضت خمسة أشهر في انتظار حوار لن يوصل سوى إلى المماطلة، فهدف “الحزب” شراء سنة من الوقت لإبقاء ما تبقى من سلاحه ماثلًا أمام جمهوره ليخوض به الانتخابات النيابية المقبلة، ليحتفظ باحتكار التمثيل الشيعي مع حليفه الرئيس نبيه بري، ويضمن “الثنائي” الثلث المعطل في مجلس النواب، ويكمل في ابتزاز اللبنانيين بقية عهد الرئيس جوزاف عون.
يقول الرئيس عون إنّه يجب مراعاة “حزب الله” لأنّه جريح، فمن يداوي جراح بقية اللبنانيين من إجرام “الحزب” يا فخامة الرئيس… من يعوِّض دماء ضحايا 7 أيار ومن يجبر كسر شعب بأكمله عانى الانهيار وتفجير بيروت ومرفئها.. ومن يعوِّض الظلم الذي لا ينتهي في السجون مع غياب العدالة.
نحن الشعب اللبناني يا فخامة الرئيس بحاجة إلى جبر الخاطر… وليس إلى حزب ما زال يُشهِر سلاحه في وجه الدولة وفي وجه الشعب، ولا يأبه بتعرضه لمخاطر الحروب والإفناء..
إنّ انقلاب المفاهيم والتطبيع الذي فرضه “حزب الله” مع جرائمه لا يجوز أن يتواصل، فهو رغم امتلاكه من السلاح ما يكفي لممارسة اعتداءاته على الداخل، غير أنّه ينبغي التذكير بأنّ هناك من اللبنانيين من كسره في خلدة وعين الرمانة وفي وقائع كثيرة… سقطت هيبتُه ولم يعد يستطيع أن يهدِّد بالحرب الأهلية.
آن الأوان لإسقاط حالة التطبيع والإخضاع التي مارسها “حزب الله” على الدولة اللبنانية، فلا يجوز الاستمرار في استحواذ “حزب الله” على امتيازات فوق الدولة، خاصة أنّ موازين القوى انكسرت وأصبح “الحزب” مضطراً لتقديم التنازلات، لكنّه لا يجد صلابة في وجهه، بل مسايرات على حساب الدولة والشعب والمستقبل، فهذا “الحزب” مثل جهنم، لا يشبع من الظلم والتسلّط، ولا يقف عند حدود، فكلّ شيء مباحٌ أمام جشعه السلطوي والحزبي، والغاية تبرّر الوسائل الوسخة التي يُبدع في اجتراحها، من اغتيالات وتعطيل وابتزاز.
لم يعد معقولاً الغرق في هذا الجمود القاتل، ليس للخشية من تذويب لبنان في بلاد الشام، ولكن لأنّ “حزب الله” يعيد صياغة سياسات الدولة اللبنانية تدريجياً بنقل الخصومة بل العداوة من إسرائيل إلى سوريا، فهو أعطى عملياً الضمانة بعدم تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر، مقابل استخدام وصول السنة إلى الحكم في سوريا لإعادة إنتاج التخويف منهم ووصمهم بالإرهاب، لكن ما لم يلحظه “الحزب” ومرجعيته، أنّ الإدارة الأميركية ترفع العقوبات عن سوريا بسرعة قياسية، ومنها شطب “هيئة تحرير الشام” من لائحة المنظمات المصنفة إرهابية.
آن للسحر الأسود الذي يؤمن به علي خامنئي ويبدو أنّه قد ألقاه على لبنان، أن يزول، وإلاّ فإنّ بلد الأرز على شفا الاندثار.