IMLebanon

الإنهيار وجرار الفخّار

 

 

من المفارقات أنّ اللبنانيّين لم ينشغل بالهم ولم يكترثوا ولم يظهروا أيّ ردّ فعل إنساني طبيعي بعدما بلغت أمس المئة ألف ليرة وهي أكبر ورقة عملة يستخدمونها دولاراً واحداً فقط فلم يغضبوا ولم يتحرّكوا ولم يسجّلوا على الأقلّ وقفات احتجاج ضدّ محاصرتهم من كلّ الجهات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والاستشفائيّة والدوائيّة والإنسانيّة،بقدر ما انشغلوا أمس بالذّهب المحتمل وجوده ـ من دون أدلّة تثبت ذلك ـ  بخبر العثور على جرار فخّار تعود الى عهود قديمة في سوق دوما القديم، خوفاً من سرقة المنظومة المعهودة “الذّهب المحتمل” مثلما سرقت كلّ شيء في البلد، حتى تساءلنا وإن سرقت المنظومة الذّهب المحتمل أو الموهوم ماذا كان اللبنانيّون بفاعلين؟ والإجابة موجودة في ردود أفعالهم منذ العام 2019 “ولا شي”، خيبة أمل اللبنانيّين بأنّ ثورة 14 آذار ماتت بسبب استيلاء نصف المنظومة عليها وفشلها فشلاً ذريعاً أفضى إلى تنازلات تلي تنازلات عن الدّماء والتضحيات مقابل كراسي النيابة والوزارة، وتعلّموا من حراك 17 تشرين عام 2019 أنّ الأمور لن تفضي إلى شيء فمنسوب الاستقواء بالسلاح يواجه ببرودة قاتلة منذ 7 أيار الـ 2008 وصولاً إلى تحليق الدولار في 14 آذار 2023، فهل علينا أن نصدّق جدّيّاً الذين يحذّرون إلى بلوغ سعر الدولار 6 أصفار؟!

 

بعد ثمانية أعوام من التعطيل والخراب والدّمار والانهيار المنظومة لا تزال مستعدّة لتعطيل انتخاب رئيس للبلاد سنوات ما لم تنجح في فرض الرئيس الذي تريده، وللأسف لا يزال الشّعب اللبناني يتصرّف على أنّه “روبوت” بلا إحساس في ظلّ خداع المنظومة له وتكرارها لكلّ الأكاذيب التي  قرف هذا الشّعب منها فبلغ درجة حدّ السّلوك الإنتحاري المجنون الذي نسمع عنه كلّ يوم وأرقامه مرشّحة للتّصاعد والتّصاعد فكلّهم متواطئون علينا مع سبق الإصرار والترصّد،وغير عابئين إلّا بمصالحهم وزيادة كراسيهم في الحكم ولا يزالون مصرّين على المتاجرة بالشّعارات الفارغة، مع أن الكلّ في هاوية نعجز عن الصّعود منها والمنظومة بعدما نجحت في تهريب أموالها التي نهبتها من مال الشّعب واقفة على قمّة الهاوية تتابع ملهاتها التاريخيّة اللبنانيّة في التناحر والتنازع والتقاتل على الحصص وحتى على فتات ما تبقّى منها!

 

هذه المرّة أيضاً، سيصحوا اللبنانيّون على واقع أوهام جرار الفخّار والذّهب التّاريخي على واقع وحيد يعرفه الجميع، فيما الأصوات التي ارتفعت لتحذّر منذ سنوات وعلى رأسها صوت غبطة البطريرك بشارة الرّاعي من سعي إيران عبر حزب الله إلى تغيير هويّة لبنان بل هويّة المنطقة العربيّة، في وقت يكاد البلد برمّته يطير، هزمت الأصفار الخمسة اللبنانيّين بالأمس والآتي أعظم، وكأنّ كلّ ما سبق منذ 14 آذار العام 2005 بل منذ العام 1984 كان سعياً دؤوباً للوصول إلى هذه المرحلة، والآن فليتفضّل جميع الفرقاء ليقولوا للبنانيّين، ما العمل؟! كلّ الفرقاء يعرفون الآن أن لا شيء بمقدورهم فعله نحن أمام خياريْن لا ثالث لهما إمّا الخضوع وبشكلٍ كامل ونهائيّ لحزب الله وسلاحه الذي سيتولّى ليس فقط تعيين رئيس الجمهوريّة بل تعيين كلّ المسؤولين والوزراء والمديرين في “دولة حزب الله” فالمثل الفارسيّ يقول:”رويْداً رويْداً يتحوّل الصّوف إلى سجّادة”.