زحمة حول «استراحة الكاشف» في تبنين. السيارات مركونة في كل مكان. الأمنيون منتشرون.. هنا، اختار رئيس «جمعيّة مدرار» عبدالله نبيه بري أن يكرّم رئيس المحكمة العسكريّة السابق العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم بعد إحالته على التقاعد.
بالكاد اتّسع المكان لهذا العدد كلّه من المدعوين. يستغرب ابراهيم حجم الحضور، قبل أن يردّ عليه أحدهم «محبّينك كتار يا ريس».
توزّع النوّاب والوزراء و «الجنرالات» على طاولات مستديرة. فيما اختار القضاة وعدد من ضبّاط هيئة «العسكرية» الجلوس معاً. يشدّ هذا المشهد ابراهيم، يذكّره على الأغلب بالأيام العجاف، حينما قضى مع هؤلاء أكثر من أربع سنوات متتالية في مقرّ المحكمة.
ينشغل ابراهيم في الترحيب بالحاضرين، وتفعل زوجته الأمر عينه. ينتهي البعض من تقبيل وجنتَيْ المُكرّم، ليبدأ مهمّة أخرى: التقاط «السيلفي» مع «الحاج عبدالله». هو الرجل الأربعيني المُقلّ بالكلام والظهور، والذي لا تشبه ملامحه ملامح والده رئيس مجلس النواب.
يبدأ الحفل، فيتقدّم وزير المال علي حسن خليل من المنبر. معه انساب الكلام بلا نص مكتوب. لم يقطّع أوصال جمله المتراكضة والمدروسة إلا انقطاع التيّار الكهربائي، ليعلّق أحدهم ممازحاً «الحق على الدولة»..
وبرغم هذا الانقطاع، لم يتوقّف «معاليه». فانتقل بانسياب من دور الأجهزة الأمنية في مواجهة الإرهاب مروراً بمهمة المحكمة العسكريّة ومحاولة وضع «السيف السياسي» على رقبتها، وصولاً إلى التنويه بمسيرة «الصديق» العميد ابراهيم.
انتهت المجاملات وبدأ الحكي الجدّي. الموقف هذه المرّة فيه الكثير من «اليد الممدودة». إذ تقصّد أن يتحوّل حفل تكريم رئيس «العسكريّة» إلى «حمام زاجل» يوزّع معاون رئيس مجلس النواب عبره رسائل لمن يعنيهم الأمر.
لم يأتِ الرجل على ذكر الاتفاقيات الثنائية، بل شدّد على «أننا نشجع أي دفع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ولن نقف في وجه اختلاف سياسيّ لا يُفسد في الود قضيّة، ولن نشارك في مقاطعة تعلّق الاستحقاق مع احترامنا لاختلاف الآراء».
وبالفم الملآن، أعلن خليل «أننا نمدّ يدنا لإنقاذ وطننا»، داعياً «لقيام أوسع ائتلاف وطني يمهّد لتفاهم يسمح بانطلاقة العهد الجديد حتى يعيد ثقة المواطن بالدولة».
شكر العميد إبراهيم كلّ مَن رافقه في رحلة المحكمة العسكرية. انتهت الكلمات وجاء وقت تسليم الدرع. لم تكن صورة ابراهيم متوسّطاً خليل وبري مستغربة، بل كانت المفاجأة حينما كان التكريم الثاني «من خارج جدول الأعمال»، إذ تقدّم رئيس بلديّة إحدى قرى الضنيّة من المنبر ليقدّم لرئيس «العسكرية» السابق درعاً باسم بلدته.
ولم يكن «الريّس» وحيداً في تحمّل مشقة الطريق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، بل سبقه إلى تبنين، نائب عكار رياض رحال الذي شارك في حفل التكريم أيضاً.
من تبنين عاد إبراهيم الى بليدا مسقط رأسه، حيث يمضي معظم أيامه في منزل ريفي شيّده بقرض مصرفي، ومن تبنين، لم يُكمل خليل رحلته الى الخيام، كما هي عادته، بل عاد الى بيروت، حيث كان على موعد مع الحاج حسين خليل المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله. في طريق العودة، كانت له محطّة في الجية. ألقى كلمة في ورشة تدريبية لتنمية القدرات البلدية، شدّد فيها على أولوية إنجاز قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية، وأكد أنه ليس مسموحاً تحت أي تسوية أو واقع سياسي أن يفكر أحد في تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، وجدّد القول إنه «لا يمكن لأحد، لفريق أو مجموعة فرقاء أن ينفردوا بتحديد خيارات كل اللبنانيين، فالخيارات يجب أن تُحترم من خلال صياغة تفاهمات وطنية عامة تسمح بالخروج من المأزق السياسي الذي نعيش فيه بأقل قدر من التداعيات السلبية على الاستقرار الوطني وتسمح أيضاً بالانتقال الى مرحلة جديدة من حياتنا السياسية»، ودعا الجميع لـ «المشاركة في جلسة الانتخاب ـ التي مهما كانت نتائجها ـ فلن نشارك بمقاطعتها بل سنمارس حقنا الديموقراطي بالتعبير عن موقفنا واحترام إرادة الأغلبية النيابية»، مؤكداً أننا سنهنئ الفائز برئاسة الجمهورية ونمدّ اليد معاً إلى تعاون حقيقي.
باسيل لتفاهمات تشمل الجميع
دعا وزير الخارجية جبران باسيل، خلال احتفال في اده (البترون)، الى عقد تفاهمات وطنية تشمل الجميع، وقال «إننا مقبلون على مرحلة جديدة، يجب أن نتحضر لها بتفكير جديد وبهمة، لأنه ممنوع أن نضيّع هذه الفرصة، سيكون لدينا أولا رئيس وجد بإرادة من شعبه».
أضاف: «اننا اليوم أمام وفاق وطني كبير يؤدي الى انتخاب رئيس، طبعا قد بُني بجهد وبوقت، بدأ بتفاهم مع «حزب الله» وتتابع بتفاهم مع «القوات اللبنانية»، ومحطته الأخيرة كانت بالتفاهم مع «تيار المستقبل»، وهذه تفاهمات ثلاثة تؤدي الى طمأنينة مسيحية وإسلامية ووطنية، وهي تؤسس لطمأنينة لبنانية، وتؤمن الاستقرار على المدى البعيد، وهذا الأمر لا يكتمل من دون الطائفة الدرزية ومن دون أن يشمل من يرغب من المسيحيين بهذه التفاهمات».