IMLebanon

كيف قرأت 8 آذار دخول الجيش الى عرسال؟

خلافا لكل التوقعات، وفيما كانت الانظار متوجهة مركزة على جلسة مجلس الوزراء «العرساليةَ»، جاء التطور الميداني من البلدة نفسها مع دخول قوة مؤللة من اللواء الثامن الى البلدة، ليخطف الاضواء ويخفف من حدة السيناريوهات التي حيكت طوال الايام الماضية، ليطول عمر حكومة المصلحة الوطنية جلسة، مع اكتفاء كل فريق بعرض وجهة نظره، بحسب مصادر متابعة، رغم الاقرار بأن شبح التعطيل لا يزال ماثلا مع ربط فريق 8 آذار مسألة تعليق مشاركته في مجلس الوزراء بما ستفضي اليه مناقشات الاثنين، وسط تكفل كل من رئيس مجلس النواب ووزير الداخلية بتفكيك الالغام في رحلة الاستقرار الحكومي، مستندين الى القرار الاقليمي ـ الدولي باستمرار عمل الحكومة، ببراعة لبنانية متناهية.

فالاتصالات التي استمرت طوال ليل امس والخطوط المفتوحة بين السراي وعين التينة، انعكست هدوءاً واضحا داخل جلسة مجلس الوزراء، رغم التشج المبطن الذي خلفته التصريحات التي سبقتها، على حدّ قول المصادر، ليبقى النقاش مضبوطا ومحكوما بمطرقة الرئيس سلام، رغم ارتفاع سقفه خلال المناقشات، مع اصرار وزراء فريق الثامن من آذار على الاستحصال على أجوبة واضحة من المسؤولين الامنيين حول خطواتهم المقبلة «لتحرير عرسال المحتلةَ»، وفق تعبيرهم، فرد وزير الدفاع داعيا الى «عدم تضخيم الخطر والى الاتكال على الجيش والقوى الامنية المتأهبين لرد أي خطر، فالوضع في البلدة مستقر وتحت السيطرة والدخول بالقوة الى عرسال ومخيماتها مكلف ويحتاج قرارا سياسيا»، عندها طلب وزير الداخلية والبلديات الكلام مشددا على ان لا داعي للهلع ولقرع طبول الحرب في عرسال، «فعدد المسلحين، بحسب التقارير الامنية، لا يتجاوز العشرات ولا داعي للمبالغة، ولا أمر طارئا عسكريا أو أمنيا في عرسال، والجيش يحصن قواعده في المنطقة وقادر على الدفاع عن كل القرى اللبنانية التي تحدث عنها السيد حسن نصراللهَ»، مشيرا الى «انه كان أول من أعلن عرسال محتلة، لكنكم رفضتم اخلاء النازحين لـ8 أشهر وأوصلتمونا الى هنا».

وعند سؤال وزراء «حزب اللهَ» و«التيار الوطني الحر» عن سبب انتظار الدولة فعل الجماعات المسلحة لتكون هي في موقع رد الفعل، اجاب الرئيس سلام ان ما يقال عن عرسال مضخم ولا حاجة لتصوير الخطر داهما وماثلا على الابواب، فالامور تحت السيطرة والجيش متأهب، معتبرا ان «لا حاجة لاستعجال القرارات التي يجب ان تدرس بترو وعناية، فتحصين البلاد في وجه التحديات، يتطلب عدم زعزعة ركائز الحكومة»، بحسب مصادر وزارية مشاركة، لتنتهي الجلسة باجماع الافرقاء على اعطاء فرصة للمشاورات الايجابية الجارية تحت شعار «حماية الحدود» السبل الممكنة لاحتواء خطر اندلاع معركة كبيرة في جرود عرسال، التي باتت الهدف المركزي الواضح للحزب في المرحلة التي تلي استكمال سيطرته مع النظام السوري على المناطق الاستراتيجية في القلمون، في محاولة لتجنّب انفجار حكومي من الداخل في حال استمر ضغط الحزب وحلفائه، علماً ان المصادر لفتت الى ان الوزراء العونيين لن يبقوا وحدهم الى جانب وزراء الحزب في ممارسة هذا الضغط، بل سينضم اليهم آخرون من قوى 8 آذار وهو الامر الذي عبّر عنه رئيس تيار المردة، بإعلانه الدعم الكامل لـ«حزب الله» في معركة القلمون وجرود عرسال، ما يعني وفْق المصادر ان أمر عمليات أُبلغ الى سائر حلفاء النظام السوري بالمضي في تغطية سياسية وحكومية لهذه المعركة.

وفيما توقفت اوساط سياسية في قوى «14 آذار» عند المواقف التي صدرت عن «جبهة النصرة» لا سيما ما يتصل بعدم الرغبة بالدخول الى لبنان، معتبرة ان الحزب يحاول من بوابة عرسال، انقاذ النظام في سوريا وليس تحرير الجرود، وهو يستخدم المدينة «فزاعةَ» لتأمين مصالح حليفه السوري بمحاولة اقحام الجيش في المعركة لحماية ظهره في المواجهة تحت عنوان «محاربة التكفيريين». اشارت مصادر في الثامن من آذار، الى ان تحرك الجيش اليوم باتجاه عرسال جاء تحت ضغط عمليات حزب الله التي بدأت منذ يوم السبت الماضي في جرود منطقتي بريتال ويونين، والتي توجها بالاعلان عن العملية النوعية الاربعاء ضد هدف ارهابي في جرود عرسال، في اشارة واضحة منه للقول بان عملية تطهير تلك الجرود من المسلحين قد بدأت، في سياق خطة مقاربته للموضوع وفق ما سبق لأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، الذي أكد أنّ جرود عرسال التي لا يوجد فيها إلا مسلحون لا قيود عليها بعيدا من أي خطوط حمراء قد يرفعها البعض تحت شعارات مذهبية، مضيفة انه «لا بدّ من الفصل بين معركة جرود عرسال ومعركة عرسال، إذ ان في الجرود فقط مسلحين غير لبنانيين، بينما في عرسال هناك ثلاث فئات، هي المدنيون اللبنانيون والسوريون إضافة إلى المسلحين غير اللبنانيين، ما يجعل طبيعة المعركتين مختلفة، كاشفة ان حزب الله الذي ينتظر التوجه الذي ستأخذه الحكومة، قبل ان يقرر الخطوة الميدانية في جرود عرسال التي تشي بمضاعفات سياسية ومذهبية كبيرة،يعتمد سياسة اعلامية واضحة بالتعاون مع مكونات في الثامن من آذار، تهدف الى الضغط باتجاه تكليف الحكومة حسم هذا الملف.

في غضون ذلك وعلى وقع تلك النقاشات، كانت طرقات عرسال الداخلية، تشهد حركة لافتة لآليات الجيش في اول دخول لدورية من اللواء الثامن الى البلدة، وسط ترحيب الاهالي وتاييدهم للخطوة، مع تعزيز الجيش لمواقعه عند مداخل البلدة واقامته حواجز تفتيش، في خطوة وصفها مصدر عسكري مطلع بالعادية، معتبرا ان التضخيم الاعلامي والسياسي لملف عرسال صور البلدة على انها خارجة عن سلطة الجيش، وهو امر مناف للحقيقة، اذ ان القوى العسكرية تتعامل مع البلدة كارض لبنانية من مسؤوليته حماية اهلها وتنفيذ القانون فيها، حيث تسهر القوى العسكرية على اتخاذ كل التدابير والاحتياطات لمواجهة اي خطر وفقا لمقتضيات المهمات الموكلة، مؤكدا ان الايحاءات التي تصدر بين الحين والآخر عن ربط او تلميح من هنا او هناك بين ملف رئاسة الجمهورية وما قد يحصل في عرسال من تطورات ودور الجيش فيها لا يعني المؤسسة، التي لا تقبل المساومة او ان يشاركها احد في أمن هذه البلدة أو الأمن الداخلي لكلّ لبنان، فالجيش وحدَه يمارس سيادته على أراضيه، وهو ينفّذ سياسة الحكومة اللبنانية.

عليه يبدو ان الحكومة ستسير عملا بمبدأ «اعطنا خبزنا كفاف يومنا»، محاولة استيعاب الصدمات التي تخلفها الاحتقانات في المواقف السياسية على خلفية الملفات الشائكة من جهة، في مقابل اجراءات ميدانية موضعية ورمزية من جهة اخرى. فهل تنجح تلك الاستراتيجية في تجنيبها كأس انفراط عقدها أو تصمد امام الضغوط؟