IMLebanon

وإذ شعرت الرياض بالألم من القاهرة

ـ ١ ـ

الأزمة لم تبدأ الآن…

وقرار شركة «أرامكو» الغامض بوقف إمدادات مصر بالبترول، ليس الأول في «شروخ» التحالف بين المملكة السعودية والرئيس السيسي.

فالشركة التي هي أكبر ما في المملكة، أبلغت الحكومة المصرية بأن إمدادات شهر أكتوبر/ تشرين الأول لن تصل.

الاتفاق وُقِّع قبل أقل من عام بقيمة 23 مليار دولار لتوريد 700 ألف طن شهريا من المواد البترولية (لمدة 15 عاما)، هو قرار خاضع لحسابات مركَّبة بين الاقتصاد والسياسة/التحالف والدعم ولو كان ضمن حُزمة قرارات في إطار تحالف أو على الأدق دعم الملك سلمان بن عبد العزيز لترسيخ حكم الرئيس السيسي.

والقرار تدرَّج في الصحف بين «الإبلاغ الشفهي» إلى «الإبلاغ الرسمي» ومن «وقف التوريد نهائيا» إلى وقفه خلال الشهر الحالي فقط… ومن «غموض يوحي بتسييس القرار» إلى كلام عن «إعادة تقييم الموقف…».

المحصلة أنه سيخصم من مصر 400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن من زيت الوقود، هي الحصة الشهرية في اتفاق أرامكو، ومع أنباء عن زيادة قبل نهاية العام في أسعار الوقود، فإن القرار سيرفع الأزمة الكبرى التي تمر بها مصر حاليا، درجات لن تحتمل ثقلها.

وبرغم ان التفسير القريب عند معظم مراقبي العلاقة بين الحكم في المملكة وبين الرئيس السيسي هو وقوف مصر مع القرار الروسي بشأن حلب، إلا أن الأزمة، وكما أشرنا من قبل إليها، تخص المواقف المصرية المترددة في اليمن وسوريا، لكنها اتخذت منحى مختلفاً عندما وجهت قبل أسابيع ملاحظة سعودية عنيفة، حول إدارة ملف «تيران وصنافير…».

الملاحظة تخص «صورة» المملكة التي بناها الملك عبد الله بالموقف من حكم الإخوان، والتي تعرضت للخسارة حسب وجهة نظر سعودية، بعد الاتفاق حول الجزيرتين.

الملاحظات كانت تُوَجَّه علنا في الفترة الأخيرة، وتبعتها تحركات مصرية لاستعادة قنوات مع الرئيس السوداني حسن البشير، لاستعادة بوابة من بوابات أفريقيا، كان الاعتماد الكامل فيها على المفتاح السعودي، لكن الأبواب ظلت مغلقة، وهو ما طالبت تقارير سياسية بضرورة عدم الاعتماد على الدور السعودي (والخليجي) عموما في حل مشاكل مصر الأفريقية وعلى رأسها تأثير سد النهضة الإثيوبي (وهو مجرد واحد من 21 مشروعاً لسدود أخرى) على حصة مصر من مياه النيل.

ـ 2 ـ

ويضاف إلى كل هذا كلام في الكواليس عن بحث الخليج للسعودية والإمارات/عن بديل للسيسي من «قدامى الجنرالات…». قيل هذا أولا عن الإمارات، وتجدد مؤخرا حول «جنرال تدعمه السعودية»… وهذا، بعيدا عن صراع السلطة في الغرف المغلقة، يشير إلى أن «التحالفات …» التي تتم في لحظة انهيار منظومة كاملة (في الإقليم والعالم)… ليست تحالفات، كما أن المواقف لا تبنيها المبادئ، والحسابات تتغير باليومية، كما أنه لا أحد قادرا على التفكير أبعد من لحظته الحالية… فالقوي يخسر كما الضعيف، وليس هناك موقف صحيح في مقابل موقف خاطئ…كلهم، كل العواصم تتحرك بغريزة «البقاء»، ولأننا أرض الكوارث/والمظلوميات/والضحية السعيدة بمصيرها فإن العالم حَوَّلنا إلى مختبر ومسرح استعراضي…

فالأزمة بين السعودية والسيسي لن تكسر التحالف، إلا إذا حافظ كل طرف على تماهيه مع صورته عن ذاته، وعن العالم من حوله، وكذلك فإن السعداء بالأزمة بين مقار الحكم في القاهرة والرياض لن يكسبوا شيئا إلا مشاهدة مزيد من المآسي، بداية من ارتكاب المذابح (السعودية التي تفكر في اليمن تعمل آلة القتل لديها بوحشية لا تقاس بغيرها…) وحتى تحول العيش إلى مأساة يومية (كما هو حال 52٪ من المصريين يتأرجحون حول خط الفقر)… هنا لا نساهم في العالم إلا بتقديم زبائن يوميين لمسرح القسوة والتوحش…

ـ 3 ـ

العالم ليس في نيويورك

… كل الذين خاضوا «مصارعة حرة» على القرارَين الروسي والفرنسي حول حلب، يعرفون قبل غيرهم أن تلك القرارات ستفقد فعاليتها خارج جدران الأمم المتحدة… وأن هذا المبنى الذي هندسته حسابات «القوة» بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد إلا مسرحا استعراضيا للقوى وحساباتها.

لم تكن هذه المفارقة الوحيدة في اليوم الغريب الذي تصارعت فيه الديناصورات السياسية لتقديم «حل» في المأساة السورية المتصاعدة منذ 5 سنوات وخلفها أكثر من 200 ألف قتيل، و10 ملايين يصنعون «سوريا صغيرة» في كل بقاع العالم… ذلك العالم الذي يعرف أن مقدار إنسانيته، وقوة منظمته الدولية التي تضم قواه العظمى، لن تتمكن من إيقاف كارثة يتحالف العالم بكل مذاهبه و طوائفه ومصالحه لاستمرارها… ليس عبر إرادة أو مؤامرة كما يستسهل أبناء الخطابات الميتة.

لكنه عبر الوقوف في المحل من قبل القوي الإقليمية والأطراف المحلية الذين يتمسكون بالصور القديمة للعالم.

كلما تماهيت مع الصورة القديمة للعالم، وقست أحلامك على مقاساتها… فإنك تساهم في أن تبتلعنا الكارثة…