IMLebanon

في موسم الخيانات

  كتائب حماية الطغاة

ـ ١ ـ

الكل خاسر إلا ترامب و «داعش».

هكذا ينتشر الظن والأحكام والاستنتاجات بأسرع مما ينتشر الفزع من العنف اللاهث في كل مكان.

كل الأدوات والمواقع والتمترسات القديمة تخون أصحابها، تتركهم في عراء باحثين عن موقع. الانهيارات لا تتعلق بالبقعة الملعونة ببترولها ومجدها الغابر، وإنما تشمل حتى البقع الديموقراطية في الكوكب الذي يعتبر المرشح الجمهوري وميليشيا آكلي الدول، من علامات قيامتها.

«نهاية الديموقراطية» تأتي خافية، خافتة، في ظل ضجيج نهايات ملاعب الأمم هنا في العالم العربي.

الضجيج الذي نسمعه داخلنا أعلى من صوت انفجار المصرف في بيروت، وأكثر تأثيرا من المذابح اليومية في حلب والفلوجة وصنعاء حيث مصارع المجرمين تخطف الأمان والحياة من الملايين.

هذا الصراع يبدو عاريا الآن إلا من غريزة البقاء المتوحش، وهذه خيانة قوة المال والسلاح والسلطة لأصحابها.

والأطراف الأخرى تهرول باتجاه «العدو» المقيم في قلب الدفاع عن «البقاء» رغم أن الزمن مضى بما لا يحتمل معه الأفكار ولا الأخلاق ولا القيم القديمة.

ابطال الزمن المنتهي هم مجرمو اليوم…

ـ 2 ـ

ولا منتصر في حرب «البقاء» إلا «داعش» وترامب.

والمسدس الذي حطم به عمر متين في أورلاندو الرقم القياسي في مذابح القتل بالرصاص…

والقنبلة التي وضعها المجهول، إبن الذكاء القديم، أمام بنك «لبنان والمهجر» ليدفع لبنان إلى «فخ» يناسب هذا الذكاء، ليست سوى تعبير عن أزمات.

فالقاتل القادم من عالم الأساطير الجهادية، وأرض طالبان، ليس متدينا، لكن الدين هو كل ما بقي له ليواجه أزمات في إنسانيته ورجولته؛ كان يضرب زوجته كل يوم (تقول الحكايات عن العنف الذي يواجه به الافغاني ذو الملامح الطيبة تكاسل زوجته عن كي ملابسه) ويقتل 50 ويصيب مثلهم بالرصاص لأنه غضب من قبلة المثليين.

كان يمكن أن يكون «عمر متين» بطلا جهاديا قبل سنوات، لكنه اليوم صاحب أرقام قياسية في القتل، ولم يعد يثير الارتباك كما فعل أسامة بن لادن والظواهري وغيرهما من سلالات الجهاديين، الذين ساروا على نهج سيد قطب في ربط الإيمان بالقتل والتدين بتغيير العالم عبر الدماء.

عمر متين ليس بطلا، إنه موديل الاغتراب في لحظات التغيير، وإبن إقامة في واقع افتراضي كامل محصن ضد الفهم والاندماج.

وكذلك المجهول الذي «ذاب» في بيروت بعد تخيله أنه أربكها بقنبلته، لم يعد حاملا لرسائل، أو دافعا لنقطة جديدة في الصراع الطائفي/المذهبي/العقائدي على أرضية أي من ثنائيات شكلت الخيال السياسي لفترة ما بعد الاستعمار الأجنبي.

المجهول الذي تلقى أمرا بوضع القنبلة، أبن عالم افتراضي يحتل فيه الزعيم (أي زعيم) والجماعة (طائفة أو حزب أو عائلة…) مساحة أكبر من حجمه الفاعل.

في هذه المسافة بين الوهم والخيال لم يعد المجهول وقنبلته بالتأثير ذاته الذي كان يمكن أن تكون عليه قبل بداية حقبة «الانقراض على الهواء» التي نعيشها.

الإجرام لم يعد مفيدا كما كان… لكنه أكثر إيلاما.

ـ 3 ـ

هل سيكسب ترامب من جريمة عمر متين؟

كلاهما نهاية للديموقراطية وتوابعها، فالديموقراطية كما في دول الرفاه وصلت إلى ركود، وإعادة إنتاج لقيم عرجاء، صنعت ساقها الإضافية من «ركن النفايات» المنتظر لعودة الخلافة، المغترب عن الحداثة، الذي يلتهم الديموقراطية بعد أن يصل بها إلى الحكم.

أحلام ترامب هي نفسها أحلام السلاطين الخفيين في ميليشيات «داعش» (وريثة الجهاد والقاعدة) والعلنيين كما يجسدهم أردوغان بوضوح كاف.

أردوغان ليس وحده طالب السلطنة، الذي تحكمه غريزة «إمبريالية» (نرفع راياتنا أينما حللنا في العالم، ولهذا غادر جنازة محمد علي بعدما فقد السيطرة على طقوسها).

أردوغان الأكثر تعبيرا عن الهوس بالإمبريالية، ربما ليعطل رغبات العسكر في العودة إلى حكم تركيا، او لأنه يمر عبر هندسة أتاتورك لدولة علمانية، وهي رغبات تحتاج إلى فجاجة في التمني.

أردوغان نهاية «الديموقراطية الإسلامية المعتدلة»، كما أن ترامب «نهاية ديموقراطية غربية» تقبل العدالة العرجاء، أو تعتبر نفسها «الموديل المطلق الذي تسقطه على الشعوب المحرومة».

وفي بيروت كيف سيؤثر الانفجار الموجه إلى البنوك، خاصرة لبنان الرخوة، كما يطلقون عليها، في ظل محاولات بناء الحضور الإقليمي على ظهر القوة المذهبية؟

المحاولات صعبة/إن لم تكن مستحيلة، والحرب المذهبية ستظل شبحا، أو مصدرا من مصادر الرعب والابتزاز، وكما يحدث في العراق وسوريا واليمن، لا مستقبل لانتصار يقوم على «إعلان سيطرة» المذهب.

كما انه لا يمكن لإيران دخول المنطقة يتقدمها الوجود الشيعي، وفي فشل السعودية التصرف كوحش سني علامة تصلح للقياس والدرس.

إنها نهايات كبرى لا يمكن فيها استدرار العناصر القديمة…

وفي هذه النهايات الكبرى، تبدو خيانة المراكز القديمة محاولة من محاولات النجاة أو الإنقاذ من الجحيم.

لكن هل تنفع الخيانات؟

وهل فعلا الخسارة تعم والمكسب فقط يخص ترامب و»داعش»؟

لا أظن.