IMLebanon

في تأكيد المؤكد

 

لا يترك “حزب الله” مناسبة واحدة تمرّ إلاّ ويلتقطها ليعيد تأكيد المؤكد فيه وفي سياساته وأولوياته وجذره وفرعه.. وهذه كلها في خلاصتها تقول إن لبنان بالنسبة إليه، الدولة والكيان والناس والاقتصاد والخزينة العامة والمؤسسات كبيرها وصغيرها ليست في رأس جدول أعماله! ولا في صلب حساباته “الأخيرة”، ولا يمكنها ولو لمرة واحدة أن تكون كذلك! ولا أن تتقدّم على الجذر المولّد للوجود والدور والأداء!

 

وذلك الجذر (الإيراني) عصب كل شيء. وبداية الأمر وخاتمته. وأولويته لا تُجادَل ولا تُنَاقش، مثل البديهة المطلقة وثنائية الحياة والموت! وإذا حصل وضجّ البعض بالأحمال والأثقال (مثلما حصل في قصّة التورّط في المذبحة السورية) خرج الكلام فصيحاً واضحاً شفّافاّ من أعلى الهرم وأرفع المستويات وفيه زبدة القول وخلاصة النقاش الأخير: تارة “إننا جنود في دولة الولي الفقيه”، وتارة ان “كل أموالنا وسلاحنا وأكلنا وشربنا من إيران”.. ومَن لا يعجبه الجواب فليذهب إلى أقرب بحر ويبدأ في تبليطه!

 

وفي الكبيرة والصغيرة والمهمّة والتافهة والأصلية والفرعية، مَارَس “حزب الله” تلك الخلاصة وترجمها عملياً وفعلياً ولم يسأل عن أحد ولا عن بلد.. من ذهابه إلى سوريا، واليمن والبحرين والعراق وغيرها شرقاً وغرباً! ومن امتشاقه سيف الريادة والقيادة في حملة المحور الإيراني على السعودية وشقيقاتها في الخليج العربي وصولاً إلى “التفاصيل” الخاصة بالفرع اللبناني والتي منها راهناً قصّة تشكيل الحكومة، دائماً كانت البوصلة تؤشّر إلى إيران وإرادتها وسياستها ومصالحها وحساباتها! ودائماً كانت القراءات الأخيرة مستندة إلى قراءتها هي. ودائماً كانت أولوياتها هي الأساس الطاغي على أي أولوية أخرى، وكل أولوية أخرى!

 

لا بأس بهذا المعنى أن يئنّ اللبنانيون في جملتهم الكاسحة، تحت أثقال وأعباء المعارك الإيرانية المفتوحة في كل اتجاه. وأن يدفعوا مرّة تلو المرّة أغلى الأثمان والنفائس بشرياً ومادياً. وأن تتراكم فوقهم الأزمات تلو الأزمات، وأن تندحر دولتهم قيمة ودوراً وفكرة وحضوراً وأدوات، وأن تُعطَّل مؤسساتهم الشرعية والدستورية، وأن يصل التهتّك في الوظيفة العامة والخدمات إلى انحطاط لا سابق له.. وأن يرى كل مَن عليها، داخلياً وخارجياً مخاطر التلكؤ في مقاربة أزمات المالية العامة والانكماش الاقتصادي وتردّي أحوال البنى الخدماتية وشيوع التفلّت في كل ركن وزاوية.. لا بأس بذلك كله عند “حزب الله” إذا اقتضت مصلحة إيران به! وإذا كانت ضرورات “المحور” الممتد (حسب التوصيف الوارد في الخطاب الأحدث!) من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق والبحرين وسوريا، تبيحه وتبرّره! وإذا تبيّن بالخلاصة أن “فوائده” الإيرانية أكبر من خسائره المحلية والهامشية أصلاً وفصلاً!

 

كلما قرّر بعض “الأغيار” تناسي هذه المناحة، أو ضبط النفس، وطمس الشكّ، وتعليق العمل بالأحكام المسبقة المبنيّة على الشواهد والوقائع والمرئيات الواضحات الفاضحات السافرات.. جاء “حزب الله” بنفسه ووحده ليعيد التذكير بالأصل والأساس! وتأكيد عبث انتظاره على رصيف المنطق الصحّ! أو عند مساحة مشتركة فيها شيء من “الذاتية العامّة”، وشيء من التعايش الممكن والمتواضع بين “حاجات” لبنان ومصالح أهله من جهة وفرائض الانتماءات الرسالية الكبرى والاستراتيجية و”الخطيرة” إلى “المحور الإيراني” من جهة أخرى!