IMLebanon

في إيران والنكران..

 

الأداء المتّبع من قِبَل القيادة الإيرانية إزاء العقوبات الأميركية والغربية والشروط الملحقة بها والدافعة إليها والمشكّلة لحيثياتها و”قضيتها” عموماً، لا يزال في مكانه، ويدلّ على عبث الرهان على أي احتمال يطال تغييراً جوهرياً عميقاً في طريقة تفكير تلك القيادة.. أو انتباهها إلى الحائط المدرّع الذي اصطدمت به! والزاوية المقفلة التي ذهبت إليها ولم تعد تعرف كيف تخرج منها.

 

محمد جواد ظريف وزير الخارجية يكرّر بعض عوارض ذلك الأداء بما يدلّ على عدم رغبة في استيعاب ما يحصل! وما يريده ويفعله رئيس أميركا دونالد ترامب.. مثلما يدلّ على مكابرة في رفض الاعتراف بهزال التكتيك المتّبع من أجل محاولة احتواء ذلك الذي يحصل، والقاضي بإتباع سياسة دفاعية باردة لردّ هجوم حار وعنيف وحاسم.. حتى لو كانت تلك السياسة مشتملة على شيء من الواقعية في ضوء المعرفة الإيرانية الأكيدة بحقائق موازين القوى التي تمنع أي استطراد باتجاه دفع المواجهة إلى الصدام المسلّح و”المباشر”!

 

تخوض إيران نصف مواجهة وبالواسطة وعلى طريقتها المألوفة.. أو بالأحرى تستمر في محاولة ذلك. وكأن “طيف” السيئ الذكر باراك أوباما لا يزال يركب عقل قيادتها ويدغدغ أحلام اليقظة عندها بعودة أدائه حيالها! ويدفع بها إلى دوام النكران بـ”حقيقة” مختلفة جذرياً اسمها دونالد ترامب.. وإلى المواظبة على ارتكاب “الانتظار” والرهان على عامل الزمن الكفيل بتغيير الموازين والسياسات والأشخاص وكأنها هي في ذاتها (قيادة طهران) غير معنية بذلك الزمن! وخارج أحكام “التغيير” التي تطال الأشخاص والسياسات المرتبطة بهؤلاء الأشخاص!

 

والأمر لله من قبل ومن بعد! لكن لعبة الانتظار تبدو هذه المرّة أعقد من الرهان على حصر جناها بلاعب واحد! بل يصحّ الظنّ بأن الآخرين، الهاجمين الساعين إلى لجم إيران وجرّها بالسلاسل إلى منظومة الدول “الطبيعية”، هم مَن يفترضون أن الزمن سلاح فعّال في أيديهم وفي خزائنهم وليس العكسّ! وأن كل يوم عقوباتي يقرّبهم أكثر فأكثر من هدفهم وليس العكس! وأن هذا السلاح يعوّضهم عن غيره وعن الأكلاف المادية والبشرية لأي أطر عسكرية أو أمنية يمكن اعتمادها (فرضياً) في سياق هذه الحملة الكبرى لإنهاء السياسات العبثية والمدمّرة التي أنهكت الجميع في واقع الحال وآن لها بعد أربعة عقود من غليانها أن تَبرُد وتهدأ وصولاً إلى التلاشي.

 

.. محمد جواد ظريف طاش بعيداً هذه المرّة حتى من ضمن سردية النكران. قال يوم الخميس، أي بعد يوم واحد من تكثيف الرئيس ترامب سياساته في بيان مكتوب أعاد فيه تأكيد ثوابته ونظرياته إزاء إيران ومسؤوليتها شبه الحصرية في رأيه، عن كوارث المنطقة (العربية والإسلامية!).. قال (ظريف) إن بلاده لا ترى ضرورة لإجراء مفاوضات نووية مع واشنطن “من دون الحصول على ضمانات” بعدم الرجوع عنه! ثم راح أكثر عندما رأى أن ترامب ألغى الاتفاق النووي لأنه “يكره” سلفه باراك أوباما!.. أي أن لا سبب آخر في رأي الوزير ظريف، يدفع الرئيس الأميركي إلى اعتماد السياسات العقابية تجاه إيران سوى “كراهيته” لسلفه السيئ!

 

لم يجد شيئاً آخر ناظر الديبلوماسية الإيرانية يستحق التوقف عنده في سياسات ترامب غير النازع الشخصي! وتلك في خلاصتها ذروة من ذرى النكران الذي يحرّك ولا يزال يحرّك سياسة مركزية لنظام يعيش في عالمه الخاص و”ينكر” الإشارات المتكاثرة عن قرب تحطّمه!