IMLebanon

في آذار نتذكّر مذاق الحرية الجميل

اليوم أتذكّر بضعة أيام مجيدة عشناها قبل عشر سنين. يصعب أن نصدّق أن عشر سنين قد مرّت. كل ما نملكه لقياس الزمن هو الفراغات التي تركها جميع من رحلوا من بيننا. اللحظات المفعمة بالأمل تبدّدت سريعاً وحلّت مكانها الخيبة.

الذكريات مرّة وحلوة في الوقت نفسه: عملية اغتيال كبرى شكّلت الشرارة التي أشعلت تظاهرات تاريخية أدّت إلى ما لم يكن في الحسبان، انسحاب القوات السورية من كل الأراضي اللبنانية. لقد انتظر بعضنا هذه اللحظة طوال عقود، لكن مخالب الهيمنة السورية كانت متوغّلة عميقاً في لبنان إلى درجة أن خروج الجيش السوري من البلاد تحت تأثير الضغوط الشعبية كان يفوق قدرة العقل على الاستيعاب.

ما سُمّي “ثورة الأرز” شكّل الانطلاقة للانتفاضات الشعبية التي اجتاحت لاحقاً مختلف أنحاء العالم العربي. كانت الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية قابعة في الحكم، لكن الشعوب كانت لا تزال محبطة جداً، الأمر الذي أقعدها عن النضال أو الثورة. وقد شكّلت عملية الاغتيال المروّعة التي استهدفت شخصية لبنانية كبيرة في قلب بيروت، الشرارة التي دفعت الناس إلى التحرك. كانت مرحلة مهمة جداً زيّنت فيها الأعلام اللبنانية المرفوعة عالياً الصفحات الأولى للصحف في مختلف أنحاء العالم على امتداد أسابيع.

هذه المرة، لم يتصدّر لبنان العناوين من خلال الأخبار عن حربه الأهلية الدموية أو فقط بسبب اغتيال رئيس سابق للوزراء. بل تصدّر العناوين لأن اللبنانيين، وكل من يحب لبنان بصدق، انتفضوا ضد الاحتلال السوري والتدخّل السوري في الشؤون الداخلية والخارجية للبلاد.

في آذار 2005، انضممتُ إلى مئات المراسلين والصحافيين الذين توجّهوا إلى بيروت مدفوعين بتعطّشهم إلى تغطية انتفاضة شعبية تسعى وراء الحقيقة والحرية. كانت لحظة من النيرفانا الصحافية التي لا تضاهى. أصبحت ساحة الشهداء بمثابة منزل لنا، فكنّا نغطّي الأخبار على مدار الساعة كي ننقل الزخم المنتشر في الساحة والبلاد إلى عالمٍ لم يعرف لبنان إلا من خلال المأساة والفتن والدماء.

على رغم حصول مستجدّات كثيرة منذ شهر آذار 2005 التاريخي، وعلى رغم أن لبنان خسر عدداً كبيراً من الأبطال كما خسر الكثير على مستوى الأمل والحرية، أصرّ اليوم على تذكّر تلك الأيام المجيدة والأبطال الذين قادوا الانتفاضة ودفعوا ثمن بطولتهم بدمائهم وحياتهم.

في عشر سنين، يمكن أن تُبنى حياة أو تُدمَّر. لقد اخترت أن أكرِّم تلك اللحظة المحورية في التاريخ التي لا تزال محفورة في ذاكرتنا الجماعية لأنها حملت معها الآمال في أن تسود الحرية وإرادة الشعب. ومن خلال هذه الذكرى، أحيّي أبطال ثورة الأرز. بعد انقضاء عشر سنين، لم ننسَ تضحياتهم، ولن ننساها أبداً!