IMLebanon

كي يبقى لنا وطن!

دخلت المنطقة مرحلة جديدة نسخت ما قبلها، بفعل الدخول العسكري الروسي المباشر على خطّ الصراع. البعض لم يستوعب حتى الساعة هذه المتغيّرات ويُصرّ على القراءة في كتاب باتت حروفه مملّة. والبعض الآخر يحاول القفز فوق معطيات أفرزتها السنوات الخمس الماضية، ويعتقد أن العملية الجراحية الجديدة ستنهي الأزمة بين ليلة وضحاها. لقد ارتفع منسوب التنجيم الى حدّ يكاد الأميركيون والروس يهزأون مما يسمعون، باعتبار أنهم وحدهم يعرفون حدود اللعبة القائمة.

لبنان في هذه المعمعة ارتفع فيه منسوب الانتظار، باعتباره جزءاً من هذه المنطقة ومن أكثر المتأثرين بتطوراتها. وعليه، عُلقت جلسات الحوار نحو ثلاثة أسابيع. فالرئيس نبيه بري يدرك بحسه السياسي أن جلسات ساحة النجمة ستكون حركة بلا بركة في ظل المعطيات الجديدة. هو من الأساس لم يكن متوهماً بأن الحوار سيؤدي الى نتائج باهرة على مستوى القضايا العالقة، لكنه راهن على أن الجلوس الى الطاولة سيفضي الى أجواء من الاسترخاء.

أغلب الظن أن البلد سيظل معطلاً. لا رئاسة ولا جلسات لمجلس النواب، فيما الحكومة تتّجه نحو تصريف الأعمال في أحسن الأحوال. لن يفلح الحراك الشعبي في قلب الطاولة على الرغم من استمراره في تحريك الركود السياسي والمطلبي. العلامة الوحيدة المضيئة في كل هذا أن الجميع متفق على إبعاد شبح الحرب عن سماء البلد وأرضه، لأن لا مصلحة لأحد في التفجير الداخلي.. ولكن، يخشى الكثيرون من أن يميد البلد من تحت أرجل الجميع اذا ما ركبت تسويات جديدة في المنطقة ولبنان غافل عنها، أو غير جاهز لمواكبتها أو استقبالها. المهم في المرحلة المقبلة أن يحافظ الجميع على نسبة من التماسك تمنع الغرق في الفوضى. فالمشهد الذي عايشه اللبنانيون ليل الخميس ـ الجمعة في ساحة الشهداء دفعهم الى التفكر في الغد بكثير من الحذر. ليس مهماً مَن المسؤول عن هذا المشهد: القوى الأمنية أم الحراك الشعبي. المهم ألا ينزلق البلد نحو الفوضى فلا نجد وطناً نسند ظهورنا اليه.

اللبنانيون يحبون وطنهم. المسلمون والمسيحيون والعلمانيون على السواء. فالجميع دفعوا غالياً وما يزالون، ثمن حرية البلد وتحريره وحمايته. فوراء كل صخرة من صخراته بات لهم شهيد. وتحت كل شجرة لهم جريح. وفوق كل رابية من روابيه ثمة ملحمة بطولية سوف يرويها التاريخ للأجيال المقبلة. ليس هذا قصيدة شاعرية، بل هو حقيقة يعرفها الجميع، وإن اختلفت رؤاهم الى مستقبل البلد. وعليه حري بهم المحافظة على الوطن بأي شكل من الأشكال، ولتختلف الرؤى ما شاء الاختلاف. المهم أن يكون عندنا وطن.

عندما ينظر اللبنانيون اليوم حولهم، من ليبيا الى مصر الى سوريا الى العراق واليمن.. وعندما يشاهدون ملايين اللاجئين المشتتين في بقاع الدنيا وسط عذابات لا تُحتمل.. لا شك في أنهم يعرفون ساعتئذ معنى أن يكون لنا وطن، بل يعرفون قيمة أن يبقى لنا وطن.

ثمة أبيات معبّرة للشاعر التونسي سيف الدين عبد الفتاح باللهجة العامية يقول فيها: يشهد الله والزمن، أنا حلمي بس كلمة، أن يضل عندي وطن، لا حروب ولا خراب، لا مصايب لا محن، خذوا المكاسب والمناصب، بس خلولي الوطن.

المهم أن يبقى لنا وطن.