IMLebanon

في المصالحة

 

حديث المصالحة بين سمير جعجع وسليمان فرنجية و«القوات اللبنانية» وتيار «المردة» وزغرتا – إهدن وبشرّي ولّاد إيجابيات ومعنويات عالية كثيرة ومرموقة في زمن «أهلي» صعب، ووطني خطير قياساً إلى أحوال الدولة والخزينة العامة والاقتصاد والخدمات وشؤون التشكيل الحكومي وما استجد عليه بفعل اكتشاف مفردة «الوفاء» من قبل «حزب الله».

 

وكل مصالحة أهلية جيدة ومنعشة مبدئياً وقبل التفاصيل. وفيها ترداد صدى لمبدأ التسوية الخلاّب الذي لا يستقيم مبنى الأهل من دون الأخذ به باعتبار أن المعطى هنا رديف للديمومة والبقاء واحترام الآخر وحق الاختلاف. مثلما هو رديف حتمي لتسيير الاجتماع والدولة وشؤونها ومؤسساتها، وتدعيم مفردة العيش المشترك التي يحب اللبنانيون تكرارها برغم كثرة التفلّت والانزياح عنها!

 

لم ينقص شيء من الوزير سليمان فرنجية. وكذا الحال بالنسبة إلى سمير جعجع. ولم يجرِ الخلط بين الشأن الوجداني الأكيد وبين الاختلاف السياسي على عناوين عامة تهمّ كل اللبنانيين في واقع الحال، ولم يخفِ أو ينكر الطرفان بقاء كلّ منهما حيث هو لجهة القناعات والخيارات والرؤى… وهذا تماماً ما يعطي المصالحة الراهنة فرادتها وطابع الديمومة والجدّية وصدق النيّات إزاءها.

 

والواقع أن زغرتا خصوصاً ومحيطها عموماً سبق أن عَبَرا هذا الدرب على نطاق أوسع وأشمل وأصعب عندما تمكّن الرئيس الراحل سليمان فرنجية من جهة وأقطاب طرابلس وفي مقدمهم الرئيس الراحل رشيد كرامي من جهة ثانية، من اجتراح معجزة صغيرة جغرافياً وكبيرة وطنياً تمثّلت بإخراج الشمال برمّته من أتون الحرب الأهلية وتفاصيلها المرعبة.. ومن دون أن يعني ذلك غدراً بالقناعات والانتماءات السياسية وغير السياسية لكل طرف.

 

المصالحة مسيحية لكن أفقها وطني أكيد وواضح. ودروس الحرب المريرة علّمت الجميع وبأثمان باهظة، أن الخلل الفرعي هو خلل عام والاحتراب الجزئي هو ضرر شامل، وأن محاولة بناء أو ادّعاء حيثية إيجابية خاصة من أمر سلبي عند الغير، هي لعب هواة، وأداء متشفٍّ قصير النظر وفيه عطب أخلاقي إنساني أكيد.. وأكثر من ذلك إذا أمكن وبوضوح: العطب الدموي الذي أصاب المسيحيين أضرّ بهم وبالمسلمين سواء بسواء. والعكس صحيح. بحيث أن الفتنة التي ضربت مراراً صفوف المسلمين بالنار والتي لا تزال بعض شواهدها قائمة وإن على البارد، أضرّت بهم وبالمسيحيين سواء بسواء.. لبنان الدولة والكيان والاجتماع البشري دفع ثمناً إجمالياً «واحداً» لكل تلك الواقعات المتفرّقة. واللبنانيون في جملتهم عانوا من الانكسار «الأخير» الذي وصل إليهم بالتدرّج، ومصيبة وراء مصيبة!

 

المصالحة الشمالية تنقّي الذاكرة وتطهّر القلوب، وهي وإن لم تكن لها ترجمة سياسية عاجلة، أو كانت لها تلك الترجمة، تبث إشعاعاتها في كل اتجاه. وتثبّت الاحترام والتقدير لثقافة الوصل وحتميّته في بلد مثل لبنان محكوم بميزان لا يحتمل الخلل في كفّتيه.