IMLebanon

في بعض البديهيات

 

الرحلة لا تزال طويلة في سوريا.. وكثرة الضخّ المستند إلى “معلومات” ومعطيات و”حقائق” في شأن وضعية بقايا السلطة الأسدية ودوام “الحاجة” إلى وجودها الموقّت (في كل حال) لا يُعدّل في النتيجة القائلة بأن تلك السلطة في أساسها لا تعني شيئاً آخر سوى استمرار البلاء السوري وانعدام شروط “الحل” المرتجى.. هذا إذا كان هناك في الأصل والواقع مَن يريد ذلك “الحل” في المدى المنظور!

 

والإكثار من اللغو المعاكس لا يُعدّل في بديهيات ولّدتها السنوات السبع الأخيرة ولا يُخفّف من صلابتها. وأول ذلك أن السلطة الأسدية صارت عنواناً افتراضياً أكثر من كونها تعبيراً عن واقع تام. وإن “مؤسساتها” و”أدوارها” توزّعت بين حتفَين. الأول بفعل الدمار الذي أصابها في معظم وظائفها والثاني بفعل مصادرة تلك الأدوار من قبل “أصحاب الشأن” الذين يفترضون (عن حق!) أنهم منعوا سقوط الأسد ولهم الفضل في بقائه حيث هو وإن صُوَرياً وشكلياً وديكورياً، وصار من حقّهم هم البتّ والتقرير في الشؤون الكبرى المتّصلة براهن سوريا ومستقبلها.

 

آخر من “يُقرّر” (مثلاً!) في قصّة عودة أو لا عودة النازحين والهاربين إلى ديار الله الواسعة القريبة والبعيدة، هو بشّار الأسد.. قبله، وهو أول العارفين، هناك لائحة تضم في عضويتها الأميركي والروسي والتركي والإسرائيلي والإيراني وغيرهم عربياً وأوروبياً. وهؤلاء في جملتهم لا يزالون في حالة اشتباك ونزاع إزاء قضايا تتصل بمصالحهم وحساباتهم قبل اتصالها بمستقبل سوريا وكيفيته شكلاً ومضموناً، وبجغرافيتها وديموغرافيتها استطراداً، ولا أدلّ على ذلك من كون هؤلاء اللاعبون المتنافرون والمتعارضون، يتجمّعون في الشكل والمضمون حول هدف واحد هو “محاربة الإرهاب” والعمل لإنهاء ظواهره وأشكاله وأطره.. سوى أنّ ذلك الهدف يعني “داعش” و”النصرة” ومشتقاتهما بداية، وغيرهما تتمّة! أي أن “الإرهاب” الذي تقاتله روسيا بتوافق الجميع، هو صنو “الإرهاب” الذي تستهدفه الولايات المتحدة باعتباره من نتاجات إيران! وصنو “الإرهاب” الذي تستهدفه إسرائيل باعتباره تعبيراً عن “حزب الله” والجماعات المشابهة له التي جاء بها “الحرس الثوري” من كل حدب مذهبي، إلى أرض سوريا!

 

والحضور الديكوري والشكلي للسلطة الأسدية لا يعدّله الإفصاح الأميركي عن انعدام “الرغبة” في إزاحة الأسد في مقابل حضور مبدأ “تغيير السلوك” تماماً مثلما لا يعدّل حقائق الأرض وتوزّع النفوذ والسيطرة عليها بين التركي شمالاً والأميركي شرقاً والروسي مركزياً، والإيراني أينما أمكن.. والإسرائيلي جنوباً حتى من دون “حضور” ميداني، وبالتالي لا يحتاج تهافت منطق “بقاء الأسد” إلى أدلّة إضافية لتأكيده حتى لو كان العكس آتياً من مراجع دولية عليا!

 

النازحون واللاجئون السوريون لن يعودوا “قريباً” إلى أرضهم وأرزاقهم وبلدهم، ليس لأن بشار الأسد لا يريد ذلك (فقط!)، وإنما لأن عودتهم التامة تلك محكومة بخروجه التام هو! وهذا الخروج المتوافق عليه مبدئياً محكوم بسقف زمني معروف ومُحدّد! والستاتيكو القائم سيبقى قائماً حتى حصول العكس وذلك يعني استحالة أمرين أساسيّين. الأول إعادة النازحين (الآن) والثاني إعادة الإعمار! في حين أن المتغيّر الوارد والمطلوب أميركياً، يتصل بإيران ووجودها و”نفوذها” في سوريا. وهذه “قضية” في ذاتها وأكبر بالتأكيد من الأسد ومصيره ودوره.

 

.. كثرة تعقيدات الوضع السوري لا تطمس بديهة أن السلطة الأسدية آفلة وسوريا باقية!