IMLebanon

في “قضية” عبثية!

 

الكلام الكبير في القضية الصغيرة، لا يغيّر حالها وواقعها، ولا ينفخ فيها وزناً إضافياً، ولا يجعلها مستحقّة لعناوين وأدوار فضفاضة وغير واقعية.

 

والكلام هنا يتقصّد السياسة وليس الأشخاص. ولا يدّعي عفواً أو قصداً تناولاً لكرامات المعنيين ولا استنساخاً لمدوّنة سلوك أسدية – ممانعة معروفة ومألوفة ومعيبة وتُخلط فيها مفردات التهتّك الأخلاقي بالهدف السياسي! وتعتمد سياقات منحطّة لادّعاء رفعةً ونبلاً قصيَّين وبعيدَين انطلاقاً من فرضيّة أنّ العنف بكل مقاييسه وأساليبه وطبقاته هو أقصر الطرق وأكثرها تكثيفاً ونجاعة لإحكام السيطرة والتمكن والوصول!

 

.. مسألة توزير “سنّة حزب الله” كانت ولا تزال وستبقى “قضية” صغيرة يُراد منها أن تكون موزونة وحرزانة وباباً لغايات منفوخة، يعرف أصحابها قبل غيرهم، أنها لن تغيّر شيئاً في السياسات الكبرى، ولن تعدّل مسارات متّصلة بأمرين راهنين كبيرين. الأول هو محاصرة إيران بالعقوبات، والثاني هو محاولة فكّ الحصار عن بشّار الأسد وبقايا سلطته.

 

ومجدداً يُقال، ان “حزب الله” هو أكثر العارفين بذلك لكنه يعتمد راهناً المماحكة الفوقية تبعاً لـِ”طبيعته” الأولى! ويتجبّر في الشكل برغم المضمون البائس.. ويحاول قول أشياء كثيرة بمصطلحات خاطئة، وزبدة ذلك أن “كلمته” “أقوى” من أي كلام آخر! وإرادته متقدّمة على أي إرادة مسنودة أو آتية من كيان دستوري شرعي مؤسساتي، بل وحتى من الأعراف المتراكمة في التاريخ الوطني الحديث. ولا يتوقف عند “التفاصيل” بل تراه وكأنه لا يعرفها مع أن التجارب السابقة كثيرة ومتوفّرة وصالحة للاتعاظ! وهذه في جملتها الأخيرة والأثيرة تقول إن الفوز في معارك صغيرة لا يعني انتصاراً في الحرب الكبيرة! وأن لبنان، الملتبس والفريد يُعتبر أيقونة في مثالات انكسار محاولات الهيمنة الفئوية أو الحزبية أو الانقلابية (على النسق العسكري العربي المألوف)!

 

لم يبنِ “حزب الله” سياساته وخياراته المركزية والرئيسية استناداً إلى حجم تمثيله في الحكومة وعدد وزرائه! أو إلى حجم كتلته النيابية ومدى انتشارها! ولم تتأثر مسيرته منذ بداياته بالمعطى الدستوري الشرعي والمؤسساتي، ولا شيء في واقع الحال يدلّ على تغيير جوهري في هذا الأداء.. ولا يخفي ذلك؛ بل يُعلنه ويمارسه! بمعنى (تكراراً) أن الذي في رأسه ينفذه! وهذا الذي في رأسه مربوط عند صاحب الولاية في طهران وليس في بيروت! وبكتابه الإيديولوجي الخاص وليس بالدستور اللبناني! و”التفلّت” الذي يُظهره خارج تلك الالتزامات والسياقات تحكمه ضرورات الاجتماع السياسي والأهلي والجغرافيا ومتطلبات الشغل السياسي، والمطلبي المتمّمة والمكمّلة للدور المركزي الأول والمهمّة الجذرية المطلوبة.. وهذه المتطلّبات تستدعي “المشاركة” حكومياً ونيابياً ومؤسساتياً لكن وفق شروطه وليس وفق الشروط التي تسري على الآخرين انطلاقاً من الدستور والأعراف ومقتضيات الميثاقية والعيش المشترك!

 

وهذا من حيث المبدأ وفي الاجمال. أمّا في التفاصيل المتّصلة بقصّة التوزير الراهنة فهو يثابر على كرع الماء المالح وادّعاء الانتشاء والاكتفاء! يعرف أن وزيراً بالناقص أو بالزائد لن يفتح الأبواب المغلقة أمام بقايا السلطة الأسدية! ولن يستدرج أحداً، لا لمقايضة ولا لما هو أدنى منها في سياق المواجهة المفتوحة مع طهران.. ولن يعدّل الأدوار والأوزان المحلية بطريقة كاسرة، مثلما بالتأكيد، لن يُعدّل شيئاً في القناعات المتشظّية على قياسات الطوائف والمذاهب والقوى الحزبية اللبنانية.. مثلما أنّه لن يعدّل التركيبة التي تسمح اليوم، كما سمحت سابقاً على مدى السنوات التي تلت جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكل فريق شارك في السلطة أو خارجها، باتخاذ الموقف الذي يناسبه محلياً وإقليمياً ودولياً..

 

يخوض “معركة” فرعية وهامشية وصغيرة مع أن تداعياتها خطيرة وكبيرة وجدّية وليست تهويلية.. وهو العارف (والناكر؟) بأحوال البلاد وحقائق وأرقام الاقتصاد والمال والخزينة العامّة.. وبتداعيات عناده المتجبّر والمتكبّر، حتى على تحالفاته وشؤونه الذاتية المعتادة!