IMLebanon

وفي «الدورة الرابعة».. تخطى عون «مدرسة المشاغبين»

«المعتذرون لا أحد»، عبارة لم تسمع في المجلس النيابي منذ زمن. ذلك الشاب الأنيق الذي دخل تائهاً وحائراً بين الوجوه كان هو نفسه النائب الذي نسي اللبنانيون شكله، وإن يصعب نسيان اسمه. هو عقاب صقر، الذي استحق التصفيق عند دخوله إلى قاعة مجلس النواب.

هو الذي قال له الرئيس نبيه بري «إلنا زمان ما شفناك»، قبل أن يستدرك فيضم النائب عصام صوايا إليه: «إلنا زمان ما شفناكم». هكذا اكتمل الحضور في المجلس بعدما استنفر «التيار الوطني الحر» و «المستقبل» نائبيهما المهاجرين، أملاً انتخاب العماد ميشال عون من الدورة الأولى.

كل آمال العونيين وتوقعاتهم بتخطي عدد أصوات المؤيدين لزعيمهم عتبة التسعين نائباً خيبها صندوق الانتخاب. 84 صوتاً حصل عليها عون، وهو كان يحتاج إلى صوتين إضافيين لتخطي عتبة الثلثين، مقابل 36 ورقة بيضاء وصوت للنائبة جيلبرت زوين و6 أوراق لاغية، خمس منها كتائبية كتب عليها «ثورة الأرز مستمرة في خدمة لبنان»، فيما كانت السادسة الحدث في المجلس وخارجه.

فقد كتب أحد النواب اسم ميريم كلينك، التي لا يعرفها الرئيس بري. سأل عنها من تكون فأجابوه بأنها مغنية ومتعرّية. ذلك كان كافياً لتصل الرسالة الأولى إلى المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية. الضحكة التي علت أفواه كثر وأولهم برّي قوبلت بتجهّم واضح من عون ومن نواب «تكتل التغيير». وأكدت أنّ ثمة من لا يريد للمناسبة أن تمر من دون تسجيل موقف، لا تستطيع أن تعبّر عنه الورقة البيضاء. موقف يهدف إلى السخرية من عون في يوم انتخابه.

تأخرت الأجواء الاحتفالية التي كان قد بدأها نواب «التكتل» وعائلة العماد عون في الجلسة. أراد النائب ألان عون لصورة العماد عون وهو يكتب اسمه على ورقة الانتخاب أن تكون تاريخية، فإذ بها تتحول إلى مادّة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما تم تعديلها بإضافة اسم ميريم كلينك إليها.

النائب حكمت ديب يقبّل المظروف قبل وضعه في الصندوق. الوزير جبران باسيل يزور المكان المخصص للضيوف والصحافيين للمرة الأولى ربما، لتصوير ابنته التي حضرت لتفرح بجدها. ابنة عون كلودين تأخذ «سيلفي» مع عدد من كوادر «التيار» المدعوّين. والفنانة جوليا بطرس تتلقى اتصالات دورية من زوجها الياس بو صعب الجالس في مقاعد الحكومة، مكثراً من التصوير وإرسال التحيات.

الوزير نقولا صحناوي وصلته رسالة على هاتفه فعرضها على إحدى بنات الجنرال. تسخر الرسالة ذات الخلفية البرتقالية من فارس سعيد الذي سبق أن أشار إلى أنه «إذا أنا بعمل بريجيت باردو عون بيعمل رئيس جمهورية».

لكن الإهانة التي أراد أحدهم أن يوجهها لعون، تحولت إلى إهانة للبنانيين جميعاً بعد أن اضطر رئيس المجلس لإعادة الانتخاب ثلاث مرات في الدورة الثانية، لأن أحد النواب أصرّ على وضع مظروفين في الصندوق، ما أدى إلى وصول عددها إلى 128 مقابل 127 نائباً.

التوتر ساد القاعة، وبدل أن تنتهي الجلسة بأقل من ساعة استمرت نحو ساعتين، حصل خلالها هرج ومرج كبيران، وصف الرئيس بري، على أثرهما، المجلس بـ «مدرسة المشاغبين». نجح عون في إخفاء غضبه، كما منع نوابه من الاعتراض. واساه الرئيس سعد الحريري، فيما كان النائب وليد جنبلاط غارقاً في هاتفه وتغريداته التي أنقذته من الملل المبين.

وبالرغم من أن بري حاول إيجاد حل للمشكلة، من اقتراحه على المجلس عدّ الأصوات طالما أن الصوت الإضافي لن يؤثر على سير عملية الانتخاب. رفض النائب سامي الجميل ذلك بقوة، فأعلن بري إعادة التصويت. وُزّعَت الأوراق البيضاء والمظاريف للمرة الثالثة، وسط تململ النواب والصحافيين والديبلوماسيين الذين حشروا في القاعة العليا.

أُفرغ الصندوق على يمين الرئيس بري، على الطاولة المخصصة للنائب مروان حمادة، فمرّت الدقائق من دون أن يعلن الرئيس بري عدد المظاريف. هل يعقل أن تكون، للمرة الثانية، غير متطابقة مع عدد النواب؟ لم يقل أحد شيئاً، لكن رئيس المجلس حاول «لملمة الفضيحة»، من خلال عدّ الأوراق، التي تحتويها المظاريف أملاً أن يكون أي منها فارغاً. تنبّه الجميل للأمر، فرفضه جملة وتفصيلاً.

سامي الجميل، الذي كان أبوه الرئيس أمين الجميل يتابع الجلسة من الشرفة وإلى جانبه الرئيسان ميشال سليمان وحسين الحسيني وقادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، رفض الأمر جملة وتفصيلاً. أبوه هو نفسه الذي أوصل عون إلى بعبدا في عام 1988، وها هو يشهد على انتقاله إليه للمرة الثانية. الجميل الابن، سبق وقال إنه يتفهم، في الظروف التي كانت سائدة، خطوة أبيه، ويعتبر أنها كانت ضرورية. انتخاب اليوم لا يمكن فصله عن قرار الأمس، لكن الظروف تسمح هذه المرة بقول «لا» للرئيس ولأي تساهل في عملية الانتخاب.

ما العمل بعد اعتراض الجميل؟

الانتخاب سيجري للمرة الرابعة. ذلك أمر غير مسبوق وغير مقبول. قرر بري وضع الصندوق هذه المرة في وسط القاعة، بعدما كان أحد الموظفين يدور فيه على النواب. كما وضع له حارسين هما النائبان انطوان زهرا ومروان حمادة. عليهما التأكد من أن أحداً لا يحمل مظروفين. الخطأ هذه المرة ممنوع. والغضب عبّر عنه بري مباشرة: «صرلنا زمان ما انتخبنا الظاهر»، قبل أن يذكّر أن الجلسة منقولة على الهواء ويشاهدها كل اللبنانيين وكذلك السفراء وأعضاء السلك الديبلوماسي.. و»هذا الموضوع ليس موضوع افتخار أو اعتزاز أو مزح».

بعد تلاوة اسم كل نائب، عليه أن ينزل ليضع صوته في الصندوق. وهذه عملية أخذت وقتاً طويلاً، لكنها انتهت. حان وقت الفرز للمرة الرابعة. لحظات صمت وقلق انتابت كل الحاضرين والنواب. تطابق العدد أخيراً، فصفق الجميع، ثم بدأ احتساب الأصوات. ما إن وصل عدد المصوتين لعون إلى الـ65، حتى علا الصراخ والتصفيق في أرجاء القاعة. لكن الفرز لا بد أن يستكمل. العدد النهائي وصل إلى 83 صوتاً لعون، صوت واحد لستريدا جعجع، 36 ورقة بيضاء و7 أوراق، تكررت فيها الأوراق الخمس التي تؤكد أن «ثورة الأرز مستمرة»، وهي أصوات كتلة «الكتائب»، فيما ذهبت ورقة إلى «زوربا دي غريك» وورقة لـ «مجلس شرعي أو غير شرعي»، كانت آخر حبة في عنقود «الكيدية غير المسبوقة» التي تشهدها جلسات انتخاب الرئيس، قبل أن تبدأ الاحتفالات، داخل المجلس وخارجه. انتهت الجلسة الماراتونية، بتلاوة محضرها، ثم فتح بري رأساً جلسة أداء القسم، التي انتقل على أثرها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى قصر بعبدا، بعدما سبقته عائلته الى هناك.