IMLebanon

في التهويل والتروّي

 

لا يمكن الزعم بأنّ الأزمة الراهنة التي انفجرت على خلفيّة اختفاء الزميل جمال خاشقجي، سهلة أو عابرة. لكن لا يمكن الزعم في المقابل، أن الاستثمار المنفلت سياسياً وإعلامياً في تلك القضية يمكن أن يعني أو ينتج كسراً لسياسة دولة محورية كبرى مثل المملكة العربية السعودية. أو لثوابتها الراسخة. أو لدورها القطبي في المنطقة والعالم.

 

الانفعالات هي صنو القفز إلى استنتاجات سريعة وغير دقيقة وحاسمة. لكن هذه وتلك لا تغيّران الإستراتيجيا. ولا تتحكّمان بالعلاقات الموصوفة بـ”التاريخية”. ولا تبدّلان حقائق الأوزان والأدوار الكبرى من أجل قضية فردية مهما كانت وطأة هذه القضية.. وهذه بديهة سيكون مفاجئاً وأمراً غير طبيعي أبداً، تجاهلها أو القفز فوقها أو الاستطراد في بناء خلاصات مضادة لها.

 

السعودية ليست ليبيا – القذافي. ولا العراق – صدّام حسين. ولا سوريا – آل الأسد! ولا إيران – الوليّ الفقيه! وكثرة اللغو في هذه الأيام بآليات تهويلية في وجهها لن تجعلها شبيهة بتلك النماذج التي خرّبت بلادها وديارها وبلاد غيرها وديارهم. واعتمدت الإرهاب سلاحاً أكيداً في معاركها باعتباره أحد إفرازات العنف المسلّح الذي مكّنها من التحكّم والسيطرة طوال تلك العقود، وجعل منها في الخلاصة، وصيّة على دول كسيحة وخربانة ومنبوذة ومحاصرة وفاشلة.

 

السعودية ليست مُتّهمة بقضية إرهابية واحدة في أي دولة على وسع العالم. وملفّها أبيض وناصع في هذا المجال.. وصورتها وحقيقتها هذه لم تتأثّران كثيراً بكل الطخّ والضخّ الممنهج الذي تلا واقعة هجمات 11 أيلول الأميركية!! ولا الشغل الكثيف والدؤوب من قبل إيران وغير إيران على إرجاع المعطى الإرهابي إلى جذر ديني محدّد ومدرسي.. بل أن الوقائع الثابتة تفيد بأن المملكة كانت ضحية دائمة للإرهاب وأنها كانت سبّاقة في مواجهته ميدانياً و”فكرياً” ومدرسياً، وأنها نجحت إلى حدّ بعيد في حربها تلك لأنها اعتمدت الواقعية وليس المكابرة أو النكران.. ثم الأهم لأن قيادتها كانت تعرف ولا تزال، أن تصدّيها للغلوّ والتطرف يتآلف مع “الرأي العام” السعودي والعربي والإسلامي الشامل، ومع النصّ الديني البعيد عن التأويل. ثمّ لأنها لا تملك مشاريع وأوهام ذات طابع فتوحاتي أو تنويري تستدعي منها مثلما فعَلَ غيرها، تجاوز القيم والأعراف المتّبعة في العلاقات الدولية، والاستثمار في الغريزة (الدينية وغيرها) من أجل تيسير سعيها وتسييل أجندتها في أرض ليست لها وبين أقوام قريبة أو بعيدة عنها في الجغرافيا والهوية الأرضية والسماوية.

 

يُفهم في مكان ما، أن تتصرّف بعض الدول الغربية سياسياً، وديبلوماسياً انطلاقاً من حساسية واضحة تجاه المسّ بمبدأ حرية الاختلاف. أو التعرّض العكسي لأجندة “حقوق الإنسان”.. لكن لا يُفهم ولا يُهضم ذلك الغلو والاستطراد في التفسير والتأويل والاستنتاج وبطريقة إنتهازية قبل أن تكون “مبدئية”! وخصوصاً في منطقة تئنّ أرضها تحت ثقل ضحايا التوحّش والاستبداد والعسف والاحتلال وتدفع شعوبها وأقوامها منذ عشرات السنين أثمان مثالب كثيرة في رأسها قصّة المصالح الكبرى للدول الكبرى التي لا تلحظ في معظم الحالات قيمة تذكر للضحايا، حياة وكرامة وأنسنة وحقوقاً! وبما يتصل بملايين البشر!

 

ما يجري حالياً من افتراء وتجنٍّ على السعودية وقيمها، وابتزازها سياسياً ومالياً، لا يُعبّر سوى عن انتهازية مألوفة للاستثمار في حالة مُحزنة ومؤلمة.. وهذا يتطلب الكثير من المرونة والحكمة والتروّي لاحتوائه وتجنّب أفخاخه!