IMLebanon

في دعوة ظريف..

 

مستمرة في انكفائها القيادة الإيرانية أمام الهجوم العقوباتي والسياسي والإعلامي والديبلوماسي الأميركي وغير الأميركي عليها. بل هي تحاول عشيّة البدء بالمرحلة الأصعب من العقوبات في الرابع من الشهر المقبل انتهاز ما تراه فرصة مفاجئة وإيجابية في نظرها تتعلق بتداعيات مقتل الزميل جمال خاشقجي، من أجل “تطوير” ذلك الانكفاء باتجاه آخر: تتراجع خطوة إلى الخلف من أجل التقدّم خطوتَين إلى الأمام.

 

وزير خارجيتها محمد جواد ظريف عبّر عن ذلك بالأمس تحديداً من خلال تكرار الدعوة إلى حوار “غير مشروط” مع الولايات المتحدة، لكن على قاعدة “الاحترام المتبادل”.. وكأنه يفترض أن “تراجع” بلاده أمام الهجوم الراهن هو معطى يدلّ على مدى “احترامها” مبدأ المفاوضات في حدّ ذاته وليس تعبيراً عن “احترامها” الأكيد لقوة المهاجمين! وشدّة تصميمهم! وامتلاكهم ما يكفي من أدوات لدفع طهران إلى تغيير أدائها جذرياً والكفّ عن سياساتها التي لم يلحظ أحد، خارج منظومتها التحالفية والاستلحاقية، أي دلائل فيها على “احترام” ذاتيات الغير دولاً ومجتمعات وكيانات ومصالح ومصائر!

 

والخطوة التراجعية هذه تدلّ على واقعيّة إيرانية مستجدّة. أو بالأحرى غير مألوفة في الأداء الخارجي (أو الداخلي) والقائم تفصيلاً وجمعاً على التعبئة الاستنفارية المؤدلجة والمسيّسة من أجل تحقيق أهداف كبرى على سيبة الانتماء المزدوج: القومي والمذهبي.

 

لكن تلك الواقعية تبدو وحيدة أهلها لا أخ لها ولا أخت. بحيث أن الوزير ظريف يريدها مقدّمة أو منطلقاً للخطوتَين المفترضتَين إلى الأمام. الأولى عودة (أو استئناف!) المفاوضات مع الإدارة الأميركية من دون “شروط مسبقة” وكأن لا شيء على مدى العقود الأربعة الماضية عكّر ويعكّر “صفو” العلاقات الأميركية – الإيرانية! أو كأن لا شيء يستحق الانطلاق منه إذا ما أُريد لتلك المفاوضات أن “تندلع”! أو كأن خاصيّة التفاوض هذه لم تُجرَّب مسبقاً مباشرة أو بالواسطة من دون أن تصل إلى أي مكان فالح أو ناجح أو مساعد على تثبيت الأمن الإقليمي والدولي، أو ضبط غلواء الطموحات الجامحات الفاتكات أينما حَلَّت! والثانية محاولة البناء على اللحظة الراهنة التي تشهد تطوراً سلبياً غير مسبوق داخل صفوف الحلفاء على خلفية قضية خاشقجي، انطلاقاً من فرضيّة ثابتة في العقل السياسي الإيراني مفادها أن السيّء لجيرانها جيّد لها، ومن حيث المبدأ قبل التفاصيل!

 

وفي هاتين المحاولتَين الطموحتَين، تبدو طهران غير واقعية ومتمترسة في مكانها. ولا تُظهر أي إشارات تدل على تغيير في أدائها أو سلوكها.. أو ربما لم تعد قادرة على ذلك التغيير بعد أن غطست عميقاً في ذلك الأداء. ولا تزال تراهن على تطور خارجي يثبّت ذلك المنحى ولا يُعدّله! ويفرض “المجيء” إليها وليس استدعائها إلى السوية الطبيعية للعلاقات الصحيحة والصحية بين الدول والشعوب في عالم اليوم!

 

لو آمنت طهران في الأصل والأساس بمبدأَي “التفاوض” و”الاحترام المتبادل” لما شهدت المنطقة العربية والإسلامية العامة كل ذلك التهتّك في قيمها وثرواتها البشرية والمادية! وكل تلك الكوارث والنكبات! وكل ذلك الانكشاف أمام الأميركيين والروس وغيرهم! وهذا في جملته ما صار معلوماً وبالتالي كافياً للافتراض بأنّ دعوة ظريف إلى التفاوض جاءت بعد فوات الأوان!!