IMLebanon

في “الدخول” الإيراني

 

تأخر الإيرانيون في “الدخول” على قضية الزميل الراحل جمال خاشقجي، لكنهم فعلوا ذلك أخيراً.. ومن موقعهم “الأصلي” والمفترض وليس من سواه!

 

وذلك الموقع هو ذاته الذي اعتمدته إيران إزاء السعودية منذ الأيام الأولى لـِ”ثورتها” واشتغلت وعمّرت على أساساته الوحيدة ما تراه مناسباً لمشروعها ونهجها واستراتيجيّتها الكبيرة.

 

تراخت في متابعة القضية الراهنة من باب التفرّج (عن قرب) على “مشكلة داخلية” مندلعة في صفوف أعدائها وأخصامها والمتضررين من سياستها. وفي المخيال الانتهازي، أن تلك هي أحسن طريقة تكتيكية ممكنة: أي “تدخل” سياسي أو إعلامي (بطبيعة الحال) قد يعكّر مزاج المتخاصمين! وقد يدفع بالجانب الأميركي مثلاً، إلى العودة للتركيز الحصري عليها هي، إيران، باعتبارها المصدر الفعلي للأزمات الكبيرة في عموم المنطقة والمحرّك الأول لكل آليات التوتر التي تهدّد مصالح الكبار والجوار على حدٍّ سواء. و”الموضوع” الأبرز وشبه الوحيد المفلوش على طاولة “المعالجة” وخصوصاً من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب.. أقلّه في هذه الآونة.

 

انكفأت وانتظرت وتوقّعت الأسوأ وعندما حاولت المرور بين حبّات المطر بخفّة وتشاطر من خلال تكرار دعوتها إلى “التفاوض” مع الأميركيين، جاءها جواب “قوي” من الذين ظنّت أنهم “ضعفوا” أو انتكسوا تحت وطأة قضية خاشقجي: وُضِعَ الجنرال قاسم سليماني و”مؤسسات” وبنى تابعة لـِ”الحرس الثوري” أو مرتبطة به في دائرة العقوبات الإضافية أميركياً وخليجياً.. واستمر العدّ التصاعدي على وتيرته بانتظار لحظة الذروة في تلك العقوبات المرتقبة في الرابع من الشهر المقبل! أي أن الطارئ “الذي طرأ في اسطنبول لم يُعدّل السياقات العامة للعلاقات والمصالح والسياسات الكبرى. وهذه في ألف باء المنطق والواقع، لا تتأثر بالعمق، نتيجة “حالات شخصية” أيّاً تكن أوزانها وطبيعتها وأوضاعها..

 

انكفاء إيران عن المشهد لم يكن إذن من باب حسن النيّات تجاه الجار السعودي! أو إشارة تقارب مطلوب بحرارة لمحاولة كسر الحصار والعقوبات! مثلما لم يكن وليد خفرٍ ما كان يمكن أن تسببه مفارقة أن “تدين” جريمة قتل صحافي أو معارض سياسي فيما ملفّها مُثقل ومليء بالشواهد عن كيفية “تعاملها” مع المعارضين داخلياً وخارجياً! وعن السبل التي تتوسّلها وتعتمدها لتحقيق أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها!

 

في خروجها عن صمتها وانكفائها لم تتوقف الإدارة الإيرانية عند تلك المفارقة لا من قريب ولا من بعيد.. بل هي خرجت على لسان الرئيس حسن روحاني بردّ مؤدلج من موقعها “الأصلي”، على فشل محاولة الاستثمار السياسي في القضية المفتوحة راهناً: عادت إلى النقر على الوتر المذهبي الذي رنّ غداة أحداث 11 أيلول الأميركية من خلال إرجاع الجريمة إلى جذر “الفكر نفسه الذي أنشأ تنظيم داعش في المنطقة”، بعد أن تبخّر العنوان السابق الذي هو “القاعدة”! وعادت إلى التكتيك المخزي ذاته في إطار استراتيجية تقسيم الإسلام والمسلمين إلى خانتَين، وكونها هي بطبيعة الحال صاحبة الريادة في “الخانة الجيّدة” القادرة على “فهم” العالم و”التعايش” معه على العكس من الطرف الآخر المركون في “الخانة السيئة” الذي يفرّخ “الإرهاب” والعدم والعبث والغربة عن عالم اليوم!

 

وفي العودة إلى هذه السردية ما يكفي لتبيان مدى عبثية الأداء الإيراني! والمدى الذي يمكن أن يصل إليه أصحابه لتبرير أنويتهم المذهبية والقومية والسياسية.. بحيث أن عقدين من الزمن “المكثف” أنتجا ما يمكن وصفه بموضوعية تامة، أسوأ ما حصل للإسلام والمسلمين عموماً في كل تاريخهما، لكن إيران (الجمهورية الإسلامية!) لم تَرَ شيئاً من ذلك! ولم “تنتبه” إلى أن العالم شرقاً وغرباً لم يجارِها في ترف التقسيم المذهبي والفقهي بل أخذ الكلّ بجريرة العنوان الجامع أصلاً وفصلاً ونصاً وممارسة!

 

.. لم يتوقف الشيخ الرئيس روحاني عن الحقيقة القائلة بأن “الفكر” الذي يدينه مجدداً، لم يكن هو الذي أوصل إيران إلى ما وصلت إليه هذه الأيام! ولم يكن هو الذي جعل منها دولة “محاصرة ومنبوذة ومتّهمة بأبوّة الإرهاب وإنتاجه ورعايته وتعميمه”! ولم يكن هو “الفكر” المسؤول عن وصول نظام الجمهورية التي يرأسها إلى نقطة العجز عن تقديم أي جواب معقول على أزمات المال والاقتصاد والاجتماع والتنمية والحريات العامة في الداخل الإيراني!

 

لم يتوقف عند شيء من ذلك كله، بل عاد إلى الاستثمار في أداء ثبت أن مردوده كارثي على إيران قبل غيرها وأكثر من غيرها. وعلى الإسلام نصّاً وقيماً وفرعاً وجمعاً.. وإذا لم تكن هذه هي النكبة، فكيف لها أن تكون؟!!