IMLebanon

في الحرب الفاترة!

 

ذَهَبَ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد مع وفد اقتصادي وسياسي كبير وفي زيارة ستستمر أيّاماً عدّة وتتضمّن جولة داخلية تشمل كربلاء والنجف.. بما يُراد منه تأكيد “عمق” العلاقات بين البلدين و”تميّزها” بطريقة مماثلة (إن لم يكن أكثر) لتلك التي حكمت العلاقة بين سوريا ولبنان على مدى ثلاثة عقود.

 

والأمر لم يكن يحتاج في واقع الحال، إلى الزيارة وبهرجتها لتأكيده وتثبيته! طالما أن عنوان المرحلة العراقية الراهنة هو نفوذ إيران الطاغي فيها، ومعرفة الكبير والصغير والقريب والبعيد المدى الذي بلغه توغّل ذلك النفوذ في تلابيب ذلك البلد العربي الكبير والخطير.. لكن جاء دونالد ترامب في ليل إلى تفقّد قوات بلاده الباقية في الأنبار ثم تبعه مايك بومبيو في زيارة ترضية لتجاوز الملابسات البروتوكولية (السيادية!) التي طبعت زيارة رئيسه، فوجدت طهران في هذه وتلك “تجاوزاً” غير مأنوس من قبَل الأميركيين! وكأنهم “يتحدّون” حضورها ونفوذها وتأثيرها الكبير فيه.. وبالتالي كان لا بدّ من ردّ الرِجْل وإعادة تصويب الخلل باتجاه الواقع الذي حاول ترامب “تخطّيه”! والتصويب ضروري في الشكل والمضمون: جاء رئيس أميركا سرّاً وليلاً وأمضى ساعات في قاعدة عين “الأسد” ثم رجع إلى واشنطن. لكن ظريف يأتي علناً وفي وضح النهار! ومع وفد عرمرمي! ويُستقبل “رسمياً” ويقرّر أن يسوح أياماً على راحته من دون أن يحمل أي همّ أمني أو غير أمني!

 

أما لجهة المضمون، فإن الفضل سبق، وترامب جاء إلى دولة فيها حكومة ناقصة! وفي أبرز حقيبتين سياديتَين كبيرتين هما الداخلية والدفاع، لأن إيران قرّرت ذلك! أو لأنها استدركت “انفتاحها” المثلّث في اليمن (إتفاق استوكهولم) وفي بيروت (اتفاق جواد عدرا) وفي العراق حكومة عادل عبد المهدي! وارتأت أن تعود إلى تجميد “كل شيء” بانتظار أفول مرحلة ترامب طالما أن أبواب واشنطن مفتوحة على كل الاحتمالات! والتخبّط فيها بلغ (نزولاً!) مستويات تخبّط الوضع اللبناني مثلاً! أو بمعنى أرقى الوضع الإيطالي أو الوضع في أي دولة منكوبة بالتوازنات السياسية الحزبية أو الطائفية والمذهبية. ولا تعرف كيف تتخطى ذلك وتصل إلى استقرار ما!

 

معضلتنا موصولة! وأحدثها أن ديفيد هيل مساعد وزير الخارجية الأميركي موجود في بيروت. ويجري محادثات في شأن أمور كثيرة، معظمها أو أبرزها يتّصل بوضعية “حزب الله” باعتباره امتداداً صلباً للسياسة الإيرانية وأداة مركزية من أدوات نفوذ طهران.. وبالتالي يُفترض من حيث المبدأ (والتحليل!) أن تُلْحق زيارته بواحدة إيرانية سريعة! يُقصد منها (أيضاً) تأكيد “النفوذ” شكلاً ومضموناً! وعدم “السكوت” عن “رسائل” الأميركيين المتحدّية لذلك النفوذ! علماً أن هناك من يقول إن زيارة هيل جاءت للأخذ بخاطر اللبنانيين الذين لم يشملهم بومبيو بجولته (المقطوعة) في المنطقة.. وفي ضوء معلومات تحدثت عن زيارة غير مُعلنة قام بها قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الجنرال قاسم سليماني إلى العاصمة اللبنانية؟!

 

والبيّن الواضح والنافر، أنّ الأميركيين يتخبّطون ويُربكون العالم معهم، والإيرانيون متوتّرون ويراهنون على ذلك التخبّط وبوتيرة متوترة بدورها وتنعكس على حركتهم وقراراتهم التي تصيبنا في لبنان مثلما تصيب العراقيين في العراق واليمنيّين في اليمن.. وصولاً إلى البولنديين في بولندا الذين “ذكّرتهم” طهران بالأمس بويلات الحرب العالمية الثانية لأنهم قبِلوا استضافة المؤتمر الأميركي المخصّص لتدعيم الجبهة المتصدّية لسياسات أولياء الشأن والأمر فيها!

 

من بين شقوق هذه السياسات الكبيرة والعريضة تتسلل نزعات أسدية وضيعة وصغيرة في لبنان وتأخذ أشكال الطبول الفارغة التي تُصدر أصواتاً أكبر من حجمها ووزنها وأثقالها! وتُعبّر عن حالها بإخلاص شديد لمدوّنة السفاهة والانحطاط السياسي والأخلاقي المألوفة في المخزون الأسدي!

 

يُتوقع أن تزداد وتيرة ضجيج تلك الطبول في المرحلة الآتية. وتزداد في موازاتها وتيرة ظواهر الفوضى والتفلّت والتوتر وبعناوين متفرّقة سياسية و”ميثاقية” ومطلبية وشارعية، وأن تشتدّ المماحكة (الخطيرة) بين حلفاء “حزب الله”، لكن بما لا يخرق سقف الاستقرار النسبي القائم.. وإلى أن تتوضح مآلات وتطورات الحرب الفاترة الأميركية – الإيرانية… ومصير ترامب!