IMLebanon

حبرٌ على ورق

 

قُيض لي مرتين على الأقل أن أحضر «الاجتماع المغلق» في القمم العربية. وهو الاجتماع الذي يقتصر حضوره على رؤساء الوفود ومن يختارون من المسؤولين أو المستشارين، وتكون المداولات  فيه بعيدة من الأضواء. وكثيراً ما يظهر الزعماء العرب على طبيعة وسجية كل منهم.

 

فالوقار الذي تنقله شاشات التلفزة في جلسة الافتتاح يتقلّص إلى أدنى الحدود. ولقد حفظت الذاكرة عن الجلسات المغلقة (المسّماة «السرية») الكثير الكثير من الوقائع و»المناكفات» والتعليقات.. ما ليس مكانه في هذه العجالة.

 

حضرتني  ذكريات تلك القمم وجلساتها المغلقة وأنا اطلع على جدول أعمال القمة التي بدأت تونس بإستضافة فعالياتها والتي ينضم إليها لبنان، اليوم، بوفد يترأسه الجنرال ميشال عون ويضم وزراء الخارجية والداخلية وشؤون  النازحين والثقافة إضافة الى أمين عام الخارجية والسفير في تونس ومندوب لبنان في الجامعة العربية.

 

ربّـما كان لبنان بين قلّة من الدول العربية التي لا تزال تقبض الجامعة «عن جد»… وفي معلومات استقيناها من تجربة شخصية مباشرة (كعضو في اللجنة التحضيرية لقمة بيروت وحضور الجلسات العلنية والمغلقة) فإنّ البنود «العادية» يقرها وزراء الخارجية فيبصم الملوك والرؤساء والأمراء حتى من دون أن يقرأوها، وأمّا الجلسات المغلقة فللمشاحنات والخلافات و… النكت! وأمّا القرارات ذات الصفة الجدّية والحاسمة فتقر في اللقاءات الثنائية والثلاثية خارج الاجتماعات الرسمية.

 

وعشية قمة تونس يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

 

أوّلاً: تقدير كبير من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لقبول الرئيس ميشال عون بالمشاركة شخصياً في القمة على خلفية تخلّف السبسي في اللحظة الأخيرة، عن المشاركة  في قمة بيروت الاقتصادية الشهر الماضي… وكانت المساعي التونسية قد استمرت طويلاً لدى الرئيس عون قبل الموافقة (…)

 

ثانياً: من المتوقع أن تطرح المسألة السورية على القمة بما سيستأثر حتماً بقسط وافر من المناقشات. فالمطروح في جدول الأعمال هو «الأزمة» السورية وليس «عودة أنشطة سوريا الى الجامعة» أي لم يكن موضوع عودة المقعد السوري بشكل رسمي  الى الجامعة مطروحاً حتى مساء أمس.

 

 

ذلك أن «أي طرف» لم يطرح العودة على جدول الأعمال!

 

ثالثاً: الأزمة الخليجية (الخلاف مع قطر) هو أيضاً غير مطروح على جدول الأعمال… وإن كان الجانب التونسي سيسعى الى «الاستئناس» بآراء الرياض والكويت وأبو ظبي والقاهرة وأيضاً الدوحة قبل أن يبادر في هذا الشأن.

 

رابعاً: «الأوضاع» في اليمن ستكون مدار بحث و… خلافات ربّـما تكون حادّة.

 

خامساً: بند مستجد على جدول الأعمال سيأخذ مداه في المناقشات والقرار بشأنه لن يكون صعباً وهو «عروبة الجولان السوري المحتل».

 

أمّا لماذا لن يكون صعباً فلأنّ العواصم العربية كلها حدّدت (سلفاً) موقفها الرافض قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفعلته الشنيعة بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.

 

أمّا القضايا الأخرى مثل الأزمة الليبية و«دعم السلام والتنمية» في البلدان العربية، و»التدخل التركي في شمال العراق» فهي من البنود الثابتة والتي غالباً ما يقوم حولها إجماع مع بعض الخلافات حول ليبيا إذ ثمة اتهامات متبادلة حول من «يدعم حفتر» ومن «يدعم خصومه» … ولكنها ليست خلافات جذرية في أي حال.

 

والأهم من ذلك كله أن قرارات جامعة الدول العربية تبقى، في معظمها حبراً على ورق!