IMLebanon

القرصنة الفكرية  

 

أرقام مخيفة كشف عنها وزير الاعلام ملحم رياشي امس، في الندوة التي عُقدت في السراي الكبير برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري حول «القرصنة الاعلامية»، من تلك الارقام  أنّ لبنان يحتل الرقم 2 بانشاء القرصنة الفكرية  فيه بين دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وأنّ نسبة 50% من المواد الفكرية الخاضعة للتبادل التجاري داخل لبنان هي مواد مقرصنة؟!

 

فعلاً إنه رقم مخيف، ويعني أن نحو 50% من الحقوق الفكرية لا تعود الى أصحابها ذوي الحق المطلق فيها، إنما تعود الى القراصنة الذين «يسرقون» المضمون، أو يسطون عليه، ويعاودون استنساخه والإتجار به، سيان، أكان عملاً فنياً أو إعلامياً أو تلفزيونياً أو سينمائياً، أو «مسروقاً» من صحيفة أو كتاب أو شريط سينمائي (…).

ويجب الاعتراف بأنّ العالم المتقدّم قد سبقنا بأشواط وبمراحل زمنية طويلة في الحفاظ على الحقوق لأصحابها، وإصدار القوانين المشدّدة العقوبات  في بلدان أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية وسواها من بلدان هذا العالم الذي يحترم الإنسان ويصون حقوقه.

وآمل أن يؤذن لي بأن أذكر تجربة جرت معي شخصياً في مطلع سبعينات القرن العشرين الماضي يوم جاءني ساعي البريد إلى مكتبي  في جريدة «الحياة» وسلّمني كتاباً مضموناً وارداً من ألمانيا ويحمل اسمي. وما إن فتحته حتى تبيّن لي أنه يتضمن ورقتين إحداهما «شك» مصرفي بقيمة 42 ماركاً ألمانياً والثانية رسالة تفيدني أن صحيفة «دير شبيغل» اقتبست من مقال لي فقرة (أوردتها الرسالة) كناية عن بضعة أسطر، وأن ذلك رتّب لي عليهم حقاً قانونياً بالقيمة الواردة في «الشك». يومها أُعجبت المرحومة السيدة سلمى البيسار مروة، أرملة الشهيد الكبير كامل مروة (وكانت تشرف على إصدار «الحياة») ورئيس التحرير الأستاذ رياض القادري وسائر الزملاء بتلك المبادرة التي كانت بالنسبة إلينا، في لبنان وفي المنطقة برمتها، حدثاً قائماً بذاته،  يستحق التوقف عنده. ليس بالنسبة الى الناحية المالية، إنما بالنسبة الى إقرار الصحيفة الكبيرة الألمانية، ذائعة الصيت واسعة الانتشار، بأنه لا يحق لها أن تقتبس وتستخدم جهد الآخرين من دون مقابل.

فأين نحن اليوم، (بعد نحو أربعة عقود) من ذلك؟

في سياقٍ موازٍ لفتني الرقم الذي ذكر في الندوة التي أعقبت الافتتاح أمس حول مداخيل التلفزيون من الإعلانات… فإذا المردود الإعلاني للتلفزيونات اللبنانية كلها هو 73  مليون دولار أميركي.

أي (وكما قيل أمس) أقلّ  من مدخول تحققه قناة تلفزيونية صغيرة واحدة من الإعلانات التلفزيونية العاملة في بلدان المنطقة… ولا تقارن بالأقنية العالمية، حيث الأرقام خرافية.

وفي اقتناعنا أنّ الحق في الملكية الفكرية، بما فيها بالطبع حقوق الإعلام بتفرعاته كافةً، هو حق مقدّس لا جدال فيه. وإذا كنّا ندرك الظرف الواقعي القاسي الذي يمرّ به لبنان في المجال الاقتصادي عموماً والذي ينعكس بالضرورة على وسائط الإعلام كافة، فإننا نشدّ على يد الوزير رياشي ويد مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان (وكان المؤتمر أمس عقد بالمشاركة بينهما) ونحثّ  على إقرار القوانين الملائمة ليس فقط للحد من القرصنة إنما أيضاً إنزال أشد العقوبات القانونية بالقراصنة،  وأيضاً لإعادة الحقوق الفكرية الى أصحابها وصيانتها.