IMLebanon

الارتدادات الداخلية لمشروع طهران الإقليمي

يتميز الحراك الشعبي المندلع راهناً في إيران عن مثيله في 2009، بأنه حراك اجتماعي ومطلبي بكل معنى الكلمة يتخلله شعارات سياسية واضحة، أي جواباً عن الجوع والفقر الذي يعيش 40 في المئة من السكان تحت خطه، والبطالة التي تطاول ملايين العاطلين من العمل، والفساد وارتفاع الأسعار. فيما حراك عام 2009، كان جواباً عن صراع داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية بعد اتهامات للمرشد ومن معه بتزوير الانتخابات الرئاسية وإسقاط مير حسين موسوي. تكشف الشعارات المرفوعة في التظاهرات عن طبيعة الحراك، فعلى سبيل المثال: «الناس يتسولون ورجال الدين يتصرفون مثل آلهة»، «الشعب يلجأ إلى التسول والآفاد (خامنئي) يعيش في نعيم»، «اترك سورية وفكر بحالنا… الشعب أصبح متسولاً»، «لا غزة ولا لبنان، حياتي إيران».

إذا كانت الشعارات الاجتماعية تظلل الحراك، فإنها في خلفيتها ذات مطالب سياسية واضحة. ارتفعت شعارات مثل «الموت لروحاني، الموت للديكتاتور»، «غادروا سورية، فكروا بنا»، في مدينة قم المقدسة ارتفع شعار «الموت لحزب الله، واخجل يا خامنئي… واترك البلاد». تشكل هذه الشعارات رفضاً للمشروع الإيراني الذي اعتبر أن التدخلات في المنطقة العربية والسيطرة على قرارات السلطة في بعض دولها، ستعيد المجد إلى الامبراطورية الفارسية، وأن وسيلة الوصول إلى هذا الهدف يمر عبر التسعير المذهبي واستعادة صراع سني – شيعي مضى عليه الزمن، وإحيائه كطريق إلى التعبئة وشحن النفوس بالحرب.

على غرار كثير من الأنظمة الديكتاتورية، كان حكام إيران يرون في الامتداد الخارجي هروباً من مواجهة التناقضات الداخلية والصراعات القائمة على السلطة، إضافة إلى أن السيطرة على بلاد اخرى قد يساهم في إدخال موارد الى ايران. من هنا اندفعت إيران في العقد الأخير من هذا القرن إلى التدخل في العراق وسورية ولبنان واليمن. وحده التدخل في العراق أفاد إيران من الزاوية الاقتصادية، حيث شاركت طهران في نهب الثروات العراقية وتوظيف بعضها في دعم التدخلات في البلدان العربية. كان عليها أن تدفع المليارات من أجل دعم النظام السوري، حيث تشير معلومات عن توظيف أكثر من 120 مليار دولار لدعم الاقتصاد السوري والميليشيات التابعة لها، ناهيك بمئات الملايين التي تدفع إلى حزب الله اللبناني وإلى الميليشيات الحوثية في اليمن. لم تنجح إيران في توظيف الاتفاق النووي مع دول الغرب، حيث كانت تتوقع رفع العقوبات وعودة مئات الملايين من الدولارات المجمدة. لذا أتى الحراك الذي يدعو صراحة إلى الانسحاب من المنطقة العربية، من أجل الاهتمام بمصالح الشعب الإيراني فقط. من هنا يمكن فهم الموقف المتوتر ضد رئيس الجمهورية روحاني الذي كانت الآمال معقودة عليه في حل الأزمة الاقتصادية، لإن روحاني يقف في صف النظام المجمع على التدخلات الخارجية.

الأخطر بالنسبة إلى النظام الإيراني في الحراك القائم ليس فقط طابعه الاجتماعي العام، بل امتداده إلى مجمل الأقاليم الإيرانية ويطاول كل القوميات والمجموعات الإثنية المتعددة في إيران. فالجوع لا دين له ولا مذهب، فشعار الخبز وحدّ الإيرانيين، وإذا ما تواصل فسينزع من السلطة الحاكمة تسعير الشعور القومي الفارسي ضد سائر القوميات الموجودة. لذا بدأ جواب النظام يتدرج في مواجهة الحراك، فعلى غرار الأنظمة العربية التي شهدت انتفاضات، كان الاتهام المباشر ينصب على المؤامرة الخارجية الأميركية البريطانية الصهيونية المسؤولة عن إثارة الاضطرابات. ولكون هذا الشعار قد بات مبتذلاً، بالنظر إلى الواقع الاجتماعي البائس الذي يضرب كل الشعب الايراني، فإن الرد على الحراك سيكون على الطريقة السورية. فالنظام الإيراني لا يقل وحشية عن النظام السوري وسائر الأنظمة الديكتاتورية، بل إن تاريخه في القمع والقتل يسجل تفوقاً على أي نظام من أقرانه. لذا بدأت التهديدات من الحرس الثوري بانه «لن يسمح بتعريض البلاد لمكروه»، ودعوة «لوعي وطني لمواجهة مؤامرات جديدة للعدو». انتقلت التهديدات إلى استخدام الرصاص في قمع المواجهات، وقد بدأ القتلى يتساقطون تباعاً في المدن الإيرانية.

سؤال شرعي ينطلق اليوم، إلى أين سيصل هذا الحراك؟ قد يكون مبكراً الوصول إلى استنتاجات بأن تكون إيران، تلك الدولة العميقة، سائرة إلى التفكك، رغماً أن عناصر التفكك موجودة في داخلها، والاستبداد والقمع هو عنصر التوحيد. لكن ما هو مؤكد أن إيران ما قبل الحراك لن تكون إيران ما بعده. قد يكون السؤال متصلاً بمدى توفر قيادة لهذا الحراك تدفع بالمطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية تمس النظام ذاته، وإلا فالخطر يتهدد الحراك من اختراق النظام له وإجهاضه. ما بدا جلياً أن الشعب الإيراني يملك من مقومات الرفض والنبض الحي، ما يسمح باحتمالات التنظيم والتأطير. إن النجاح فبي ذلك مرهون بتوفر القوى، ومرهون أيضاً بجواب السلطة وحدود القمع التي سيصل إليها الحرس الثوري في تعاطيه مع الحراك. لا شك في أن التجارب العربية وما أصاب انتفاضاتها قد تفيد قوى الحراك الإيراني في استخلاص الدروس منها.