IMLebanon

التحالف الدولي والأرض الخراب

منذ إعلان «التحالف الدولي لمحاربة داعش» والخطة المقترحة والمدى الزمني المقدّر لذلك، اتضح أن أميركا والغرب يريدان ثمناً لهذا «الالتزام» متعدد الأبعاد. وبعد خمسة أشهر لم يتم التفاهم بين أميركا وحلفائها على الخطة الفعلية ولم يحصل الحوار الجدي مع خصومها لإدراجهم فيها.

لا شك أن الكلفة المالية أو «الفاتورة» كما يلمِّح المتحالفون ستقع بالدرجة الأولى على دول الخليج العربي وقد أُشركت كذلك في بعض المهمات اللوجستية كالتدريب والتأهيل والتجهيز لتنظيمات المعارضة البديلة في العراق وسوريا.

لكن أميركا لم تتفق بعد مع تركيا شريكتها في الحلف الأطلسي على خطة المواجهة وأهدافها لأنها لم تحسم أصلاً في أدوار الآخرين ومصالحهم ولا سيما الجانب الإيراني وخريطة النفوذ التي ستنتهي إليها هذه الحرب.

وما إطالة أمد التفاوض على الملف النووي الإيراني إلا دلالة على هذا السياق الهادف إلى استدراج عروض كل الأطراف حول مستقبل أدوارهم وعلاقتهم بهذا التحالف الجديد الذي ينطلق من «محاربة داعش» ليصل بالنتيجة إلى قضايا دولية أخرى منها ملف التعامل مع روسيا وأزمة أوكرانيا، وجميع الملفات في وسط آسيا، وحدود روسيا، واقتراب الأطلسي من المحيط الروسي واجتذاب معظم دوله.

هكذا تبدو مشكلات «الشرق الأوسط الجديد» الميدان المفتوح الأكثر أهمية في إعادة صياغة النظام العالمي الجديد.

تشتبك قضايا المنطقة مع الصراع الدولي المتجدد بقوة مع دور روسيا والصين والدور الذي يمكن أن تلعبه الدولتان على المستويين الاقتصادي والأمني. ويحتل موضوع شبكات إمداد الغاز والنفط موضوعاً حاسماً في إقامة التوازن العالمي كما تجلى في المبادرة الروسية لجذب تركيا إلى هذا المشروع، فضلاً عن تفاهم الدول المتشاطئة للبحر الأسود وقزوين، والتعاون المتنامي بين روسيا والصين وإيران وزيادة الاتفاقات التجارية بين هذه الدول، واتخاذ مصر موقفاً منفتحاً على الروس في سياستها الخارجية الجديدة.

إزاء هذه الصورة يبدو «التحالف الغربي» أكثر من متردد ومرتبك وهو يخسر ثقة حلفائه ويميل للتعامل مع خصومه مضطراً في المسائل الأمنية والعسكرية بعد أن اتخذ قراره بعدم التورط في الحرب البرية. ويظهر هذا الضعف وهو يستجدي حلفاءه لخوض هذه الحرب كتركيا ودول الخليج ومصر، ويراهن على إعادة بناء معارضة مسلحة من قوى سبق له أن استخدمها لأهداف تكتيكية محدودة وساهم في تفككها وإضعافها وإلى حد بعيد انهيارها أمام المنظمات المتطرفة التي يشكو منها اليوم.

تستطيع أميركا من دون حياء أن تستدير وأن تعيد ترتيب علاقاتها مع النظام في سوريا كما فعلت مع إيران بذريعة الحاجة لمواجهة «داعش»، لكنها لا تملك تصوراً لحل مشكلات المنطقة السياسية، ولا يشاركها حلفاؤها في المنطقة هذا النهج وهذه السياسة الغامضة التجريبية والتي يغلب عليها طابع استخدام أزمات المنطقة لمشروع أكبر هو ترتيب التوازن مع الدول الكبرى في النظام العالمي قيد التبلور والتأسيس.

وبرغم وضوح الصورة لدول المنطقة كلها ولشعوبها لا نجد «صحوة» على وجوب التعاون في ما بينها بدلاً من التنافس على خطب ود أميركا والغرب وأخذ المباركة منهما لتحديد أدوارهم الإقليمية.

على العكس من ذلك كل يطلب من أميركا أن تعطيه حصته ووظيفته، وهي التي تسعى إلى الفوز بمعظم الحصص والمصالح. حتى الروس الذين لعبوا الدور الأكبر في كبح جماح التدخل العسكري الأميركي في سوريا لم يفلحوا في إدارة الملف السياسي على النحو الذي يجنّب سوريا هذا الاستنزاف الطويل، وكذلك فهم قد استخدموا الأزمة السورية أكثر مما تطلعوا إلى مصلحة شعبها وتقديم المبادرات القابلة للنجاح لما قالوه منذ البدء عن ضرورة الحل السياسي ولا حل سواه.

لكن الحصيلة التي نجدها اليوم أن أميركا والغرب ليسا في الحشرة التي يدَّعيها البعض، فلا مواجهة على أي من دولهم، ولا مصالح أساسية لهم تعرضت إلى تهديد عملي حتى الآن. بينما يُستنزف خصومهم وتزداد احتمالات تعميق الحروب الأهلية على أرضهم ويوغلون في القتال بعضهم ضد بعض حتى تنضج ظروف تفاهم دولي.

في لحظة ما سينشأ نظام دولي جديد أكثر توازناً وتعبيراً عن مصالح الدول الكبرى، لكن العرب والمسلمين في حالهم اليوم سيدفعون ثمن الصراع وثمن التفاهم. بل إن صورتهم ومكانتهم ونزاعاتهم لا تفرض احترامهم واحترام قضاياهم ولا تستدعي شراكتهم الفعلية في صياغة نظامهم الإقليمي ولا في حضورهم كجزء من الفاعلين في النظام الدولي. وفي كل مرة حجتنا التي لا تسقط منذ الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة وحرب اليوم هي مصير فلسطين.