IMLebanon

جردة حساب… حرصاً على «اتفاق معراب»

عندما توصل «التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية» الى اتفاق جرى إعلانه من معراب، تفاءل المسيحيون وتوسّموا فيه خيراً.

كثيرون ونحن منهم، «هللّوا»  لهذا الاتفاق الذي طالما دعونا اليه بإلحاح واعتبرناه حاجة مسيحية من اجل توحيد الصف والموقف إزاء القضايا الأساسية ولتأكيد الحضور الذي صار باهتاً، والدور الذي يتقلّص ويتلاشى، كما اعتبرناه ضرورة وطنية لأن العيش المشترك و«الشراكة» الوطنية لا تستقيمان الاّ مع شريك مسيحي قوي وفي ظل توازن وطني صحيح.

بقدر ما كانت فرحتنا باتفاق المصالحة المسيحية كبيرة، كانت خشيتنا على هذا الإنجاز من ان يُزجّ به او يُستخدم في التجاذبات السياسية وفي المعارك الضيقة الأفق.

– الانتخابات البلدية…

تعزّز لدينا هذا الشعور الحذر قبل الانتخابات البلدية ووجهت في 25 نيسان 2016 كتاباً مفتوحاً الى الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون تحت عنوان « رسالة مفتوحة الى القيمين على اتفاق معراب» للفت نظرهم الى ان الانتخابات البلدية هي انتخابات محلية تتقدم فيها الاعتبارات والعوامل العائلية والمناطقية على الاعتبارات والتحالفات السياسية اياً تكن، وقلت لهم ايضاً لو كنت مكانكم لبقيت على مسافة واحدة من الجميع خصوصاً ان المعارك الانتخابية في اغلبية المناطق المسيحية تدور في مناطق كثيرة بين ابناء العائلة الواحدة وكذلك بين ابناء الحزب الواحد والتيار الواحد.

جاءت النتائج كما حذرت لتشكل اول انتكاسة في مسيرة هذا الاتفاق عندما اعطت الانتخابات انطباعاً كما لو انها عملية تصفية حسابات مع العائلات السياسية والاحزاب الآخرى على الساحة المسيحية.

كما كشفت عن هوّة تتّسع بين (القوات والتيار) من جهة وبعض العائلات والاحزاب السياسية من جهة أخرى، بسبب خوض هذه الانتخابات من قبل الحزبين الحليفين في بعض المناطق كما لو انها معارك كسر عظم والغاء لهذه العائلات والاحزاب، وهي التي تحدّد الأحجام والأوزان السياسية.

وبالرغم مما حصل من اخطاء يمكننا القول هنا ان ما حدث في الانتخابات البلدية وبسببها يمكن تبريره وتفهّمه والقول انها التجربة الأولى المشتركة على الأرض التي يخوضها الحزبان على مستوى انتخابات حساسة وعائلية.

 لكن ما لا يمكن تبريره هو استمرار الانقسامات حول مواضيع حساسة واساسية وتهم الساحة المسيحية ويفترض انها موضع اتفاق ولا تحتمل انقسامات وخلافات ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

– التمديد لقائد الجيش…

لقد اظهرت الوقائع في الأسابيع الأخيرة ان (التيار والقوات) ليسا على موجة سياسية واحدة في ما خصّ الموقف من قيادة الجيش تعييناً او تمديداً.

وفي حين يصرّ العماد ميشال عون على تعيين قائد جديد للجيش في ظلّ الفراغ الرئاسي وهو على خطأ في ذلك، يرى الدكتور سمير جعجع وهو على حق في ذلك، ضرورة وحتمية التمديد لقائد الجيش الحالي بسبب غياب رئيس للجمهورية، وكونه ليس هناك من امكانية للاتفاق على بديل داخل مجلس الوزراء، والاهم منعاً للفراغ في هذا الموقع الحساس.

من هنا فان هذا الخلاف في الرأي يعكس خلافاً على تقييم الوضع الراهن دستورياً وسياسياً في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية (ممثل المسيحيين الاول في الدولة) وكيفية التعاطي معه، ورفض الدكتور جعجع لمقولة ان «البلد ماشي» مع او من دون رئيس للجمهورية وقد كان واضحاً هذا الامر في بعض جوانب خطابه في ذكرى « شهداءالمقاومة اللبنانية».

– الانتخابات النيابية وقانون الانتخابات..

عندما يبدي العماد عون مثلاً كل الاستعداد للدخول في انتخابات نيابية من دون انتظار انتخاب رئيس للجمهورية وفي ظلّ الفراغ الرئاسي، فإن في ذلك إمعاناً في إضعاف رئاسة الجمهورية وتعريتها من صلاحيتها وقيمتها، واضعافاً للمسيحيين ودورهم داخل السلطة والدولة.

ان اجراء الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية فيها محاذير كبيرة ومجازفة وخطر من الدخول في الفراغ الكامل والقاتل.

وهنا لا بد من طرح الاسئلة الآتية :

– من يضمن بعد إجراء الانتخابات النيابية انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

– ومن يستطيع ان يضمن بأنه ليس هناك من خطة لاجراء الانتخابات النيابية (كيف ما كان) لإدخال البلد في الفراغ القاتل من اجل اعادة تركيب النظام السياسي على اسس جديدة؟

– وهل السياسيون المسيحيون واعون ومتحضرون لذلك اذا ما وصلنا الى هذه اللحظة؟

كما نسأل ايضاً :

– هل اتفقّ «القوات والتيار» على قانون انتخابات جديد عادل ومتوازن يوصل العدد الاكبر من النواب المسيحيين بأصوات مسيحية وماذا فعلا في سبيل التوصل الى مثل هذا الاتفاق؟

المطلوب الاتفاق على قانون انتخابات جديد اليوم قبل الغد واجراء الانتخابات النيابية بعد انتخاب رئيس للجمهورية كونه الممّر الإلزامي لإعادة التوازن الوطني والتمثيل الشعبي الصحيح والعادل واعطاء كل فريق حجمه وكل طائفة حقّها ومكانتها.

– الانتخابات الرئاسية :

ان يخفق العماد عون والدكتور جعجع في ترجمة الشّق الرئاسي من اتفاقهما فهذا يمكن تفهمه، لأن انتخاب الرئيس مسألة معقدة جداً واكبر من الجميع وتدخل فيها عناصر ومؤثرات وتوازنات ومصالح داخلية واقليمية ودولية.

اضافة الى ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس شأناً واتفاقاً مسيحياً وحسب، وانما هو نتاج اتفاق (مسيحي – اسلامي)، ومن المستحيل على «تيار المستقبل وحزب الله» ان يتفقا على ذلك اليوم كونهما ليست لديهما حرية اتخاذ القرار بسبب ارتباطهما بدولتين اقليميتين تخوضان مواجهة مفتوحة على امتداد المنطقة.

– ملف النفايات وملفات حيوية اخرى تهم الناس :

ولكن ما لا نفهمه ونتفهّمه ان لا ينجح السياسيون المسيحيون في مواجهة ملفات هامة وحيوية تؤثر في بيئة وصحة الناس ومنها تحديداً ملف النفايات الذي يلقى بثقله وبشاعته منذ اكثر من سنة على صحة وبيئة اللبنانيين بعدما استدرجته مافيات السياسية الى دهاليز الصفقات والسمسرات وتمّ إقصاء وشطب شركات متخصّصة واصحاب اياد نظيفة من اصحاب الاختصاص و«الاوادم» كانوا قد شاركوا في المناقصات امثال (نعمة افرام وطوني ازعور) خوفاً من فضح هذه الشركات لهذه الطبقة الحاكمة وفسادها وفجورها.

وما يؤسفنا ويحزّ في نفوسنا اليوم ان تستقر ازمة النفايات في مناطقنا وشوارعنا (المسيحية)، وان لا تبذل جهوداً جدية ومركزة على هذه الأزمة البيئية والصحية التي تستأهل استنفار الجهود وتعبئة الطاقات وفعل كل شيء لوضع حدّ لها من اجل حماية الناس من الامراض والاوبئة والروائح الكريهة.

فاذا كنا لا ننجح في حلّ مسائل وازمات صغيرة مثل النفايات ولا نستطيع ايجاد مكان في مناطقنا لاقامة مطمر صحي وحديث، كيف لنا ان ننجح في حل ملفات وازمات كبيرة، وكيف يمكن ترميم الثقة الشعبية المتصدّعة بهذه الطبقة السياسية؟

في الختام وبعد كل ما تقدم نتمنى على الدكتور جعجع والعماد عون وكل القوى المسيحية الآخرى رفض إجراء الانتخابات النيابية واي تعينات حساسة أخرى قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتحت رعايته، والانصراف خلال هذا الوقت الضائع الى توسيع «تفاهم معراب» وضم اكبر عدد من الاحزاب المسيحية الى هذا التفاهم من اجل وضع استراتيجية مسيحية استعداداً للمرحلة المقبلة وحتى يكون المسيحي موجوداً على طاولة المفاوضات، لا جالساً خلف هذا او ذاك من الاطراف او الطوائف الاخرى.

 فلنضع المصلحة المسيحية العليا ولو لمرة واحدة فوق مصالحنا الخاصة والشخصية قبل فوات الاوان ولنبادر قبل ان نندم حيث لا يعود ينفع الندم.