IMLebanon

صعوبة استعادة لبنان  

 

جاءت الذكرى الـ15 على “حرب تموز”، التي سمّيت حرب صيف العام 2006، ولبنان من دون حكومة. بغض النظر عمّا اذا كان نجيب ميقاتي سيتمكن من تشكيل حكومة، يبقى مفيدا التذكير ببعض الوقائع. إنها حرب افتعلها “حزب الله” مع إسرائيل بغية تحقيق انتصار ايراني على لبنان. توّج هذا الانتصار بتحوّل ايران، عبر “حزب الله” الى الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهورية في لبنان. الدليل على ذلك ان ميشال عون، مرشّح “حزب الله”، فرض فرضا رئيسا في 31  تشرين الاوّل – أكتوبر 2016.

 

في هذه الايّام، يذكّر العالم، عبر الأمم المتحدة وما لديها من ممثلين في لبنان بالقرار الرقم 1701  الذي صدر عن مجلس الامن ووضع حدّا لـ”الاعمال العدائيّة”. عمليا أوقف القرار 1701 حرب صيف 2006. فجأة، قبل “حزب الله” الذي اعلن انتصاره في تلك الحرب على إسرائيل بوجود الجيش اللبناني في جنوب لبنان بعدما بقي ذلك ممنوعا لسنوات طويلة. كان ذلك ممنوعا من منطلق انّه كان مطلوبا سوريا وايرانيا إبقاء جنوب لبنان مجرّد “ساحة” لتبادل الرسائل مع إسرائيل.

 

فجأة أيضا، لم يعد من وجود الجيش اللبناني في ارض الجنوب بمثابة وجود دخيل على تلك الأرض. لم يعد هناك من يردّد من بين جماعة “الممانعة” انّ الجيش اللبناني في جنوب لبنان يلعب دور “حرس الحدود لإسرائيل”. توقفت المتاجرة بالجنوب بعدما حقّق “حزب الله” هدفه المتمثّل في الانتصار على لبنان.

 

في الواقع، لم تكن حرب صيف العام 2006  الانتصار الاوّل الذي يحقّقه الحزب، ومن خلفه ايران، على لبنان واللبنانيين. كان الانتصار الثاني في اقل من سنة ونصف سنة. فبعد اغتيال رفيق الحريري، المعروف جيّدا من اغتاله، اخرج اللبنانيون الذين نزلوا الى الشارع في 14 آذار – مارس 2005- أي بعد شهر من الجريمة- الجيش السوري من ارض بلدهم. سارع “حزب الله” الى ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب السوري. كان ذلك الانتصار الاوّل والحاسم لـ”حزب الله” على لبنان. في مرحلة لاحقة، استطاع الحزب القيام بسلسلة من التحرّكات توجت بأخذ البلد الى الإفلاس والى تحويله الى مجرّد محميّة ايرانيّة… الى ضاحية فقيرة من ضواحي طهران!

 

وسط كلّ ما جرى منذ صيف 2006، لا يزال القرار 1701  مهمّا نظرا الى ان الهدف الأصلي منه ليس الاكتفاء بوقف المعارك في لبنان بمقدار ما ان المطلوب في كلّ وقت تحصين لبنان، خصوصا حدوده الطويلة مع سوريا التي هي مصدر دخول السلاح وغير السلاح الى لبنان.

 

من اللافت ذلك البيان الصادر اخيرا عن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، وهي في الأصل ديبلوماسية بولندية معروفة بخبرتها الطويلة وعلاقتها الجيّدة بالفاتيكان. يقول البيان، الذي يمثّل خريطة طريق للخروج من الازمة اللبنانية ووقف الانهيار أن “كلا من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة يوانا فرونتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام السيد جان بيار لاكروا والقائد العام لليونيفيل (القوة الدولية في جنوب لبنان) ستيفانو ديل كول أطلعوا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على تطبيق القرار 1701، بناء على التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

 

وركزت السيدة فرونتسكا على التطورات الأخيرة في لبنان، مسلطة الضوء على الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والسياسية المتعددة والمتراكمة في البلاد وتأثيرها على الناس.

 

وكررت دعوات الأمم المتحدة الى تشكيل حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة بإمكانها وضع البلاد على طريق التعافي، قائلة: إن الأمم المتحدة تبذل ما في وسعها للتخفيف من حدة الأزمة، لكنّ المسؤولية في إنقاذ لبنان تكمن في نهاية المطاف في أيدي القادة اللبنانيين.

 

كما ركزت المناقشات في مجلس الأمن على أهمية إجراء الانتخابات في العام 2022 ضمن المهل الدستورية وبشكل يتسم بالحرية والنزاهة، كمؤشر أساسي للمساءلة الديموقراطية وكفرصة للشعب للتعبير عن مظالمه وتطلعاته”.

 

أضاف البيان: “فيما يفصلنا أقل من أسبوعين عن الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت المأساوي في 4 آب – اغسطس، كررت فرونتسكا نداء الأمين العام لإجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف وقالت: إن عائلات الضحايا، كذلك الآلاف الذين تغيرت حياتهم للأبد بسبب ذلك الانفجار ما زالوا ينتظرون.. انهم يستحقون العدالة والكرامة.

 

وفي إشارة إلى هدف القرار 1701 المتمثل في تعزيز أمن لبنان وسيادته وسلطة الدولة فيه، اعربت المنسقة الخاصة عن أملها في التزام حقيقي بتنفيذ ذلك القرار بكامل مندرجاته.

 

وأشادت بالدور الذي يؤديه الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، بما في ذلك تعاونه الوثيق مع اليونيفيل، ودعت إلى استمرار دعم هذه المؤسسة الرئيسية.. وفي الختام، رحبت المنسقة الخاصة بـ “استعداد المجتمع الدولي المستمر لمساعدة لبنان”.

 

من المفيد ايراد البيان الصادر عن ممثلة الأمم المتحدة بنصّه الكامل كون ذلك يؤكّد مدى الاهتمام الذي يبديه المجتمع الدولي بلبنان، بما في ذلك في الحال المعيشية للبنانيين. لعلّ اكثر ما هو مفيد الدخول في التفاصيل، بما في ذلك التركيز الى اهمّية “تشكيل حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة”. تعني هذه العبارة اوّل ما تعنيه اقتناع الأمم المتحدة بأنّ أي حكومة لبنانيّة يمكن ان تتشكّل يجب ان تتحرّر من سيطرة “حزب الله” وسيطرة رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره وذلك كي يتمكن لبنان من القيام بالإصلاحات المطلوبة والحصول على مساعدات توقف الانهيار. هل هذا ممكن، ام المطلوب معجزة في عالم لم يعد فيه مكان لأيّ نوع من المعجزات؟

 

هناك اطار عام وضعته الأمم المتحدة للبنان. تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الامن يدخل في هذا الاطار. هل هذه مهمّة مستحيلة للأمم المتحدة… مثلما يستحيل الوصول الى الحقيقة في تفجير مرفأ بيروت بعدما استبعد رئيس الجمهورية منذ اللحظة الأولى للانفجار التحقيق الدولي؟

 

اخذ “حزب الله” من القرار الصادر عن مجلس الامن قبل خمسة عشر عاما ما يريده. في الواقع اخذ لبنان كلّه. ستصعب استعادة لبنان في يوم من الايّام في ظلّ التوازنات الإقليمية والدوليّة القائمة حاليا.

 

سيكون على نجيب ميقاتي اجتراح معجزة. هل هذا زمن المعجزات؟