يحاول الأوروبيون ترويض إيران ديبلوماسياً قبل تركيعها عسكرياً!
إذ تواجه إيران تهديداً جدّياً اليوم بالتعرّض لهجوم عسكري جديد؛ إسرائيلي و/أو أميركي!
فهذا التهديد أصبح يحظى نوعاً ما بتغطية ديبلوماسية دولية من أبرز الدول الأوروبية!
وهذه التغطية، بتحريك «آلية الزناد» (سناب باك) في الأمم المتحدة ومجلس الأمن تؤكد على عدم ثقة الأوروبيين بإيران.
وهو يبدو كتجريم لإيران بخلفية تصنيع قنبلة نووية حالياً أو مستقبلاً! وذلك، بعدم وجود مبرر لإيران، بحسب الأوروبيين، لإنتاج هذه الكمية الضخمة من اليورانيوم المخصب!
ولذلك، لم يعطِ الثلاثي الأوروبي؛ البريطاني – الفرنسي – الألماني أي فرصة لإيران بعد التحذيرات الأخيرة المتكررة!
وقد تحرك هذا الثلاثي لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
إذ بدأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا عملية استعادة عقوبات الأمم المتحدة الرئيسية على إيران – التي رُفعت بموجب صفقة عام 2015 – مع تصاعد التوترات مرة أخرى بشأن برنامج طهران النووي.
ويعمل الثلاثي الأوروبي على «آلية إعادة فرض العقوبات السريعة»، والتي يمكن أن تؤدي إلى عودة العقوبات في غضون 30 يوماً.
ويأتي هذا التحرك بعد التحذيرات الأوروبية لإيران بوجوب الموافقة على حل ديبلوماسي قبل نهاية شهر آب/ أغسطس الجاري. وهو ما لم يحدث، ولن يحدث بالتأكيد في الأيام القليلة المقبلة!
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن هذه الخطوة «ستقوض بشكل خطير» عمليتها الجارية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووصفتها أنها «تصعيد استفزازي وغير ضروري» و«ستُقابل بردود مناسبة»!
القطيعة «النووية» بين إيران والولايات المتحدة ما تزال مستمرة منذ ضرب الولايات المتحدة عسكرياً ومباشرةً لمنشأة فوردو النووية استكمالاً للحرب الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني، واستهداف إسرائيل لمنشآت نطنز وأصفهان النووية تحديداً!
إيران كانت منعت لاحقاً مفتشي وكالة الطاقة الذرية من الوصول إلى منشآتها.
وكانت العقوبات الاقتصادية الخانقة ضد إيران قد استمرت لسنوات طويلة مع فرض قيود على برنامج إيران النووي بموجب صفقة تدعمها الأمم المتحدة بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين والاتحاد الأوروبي.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قام بـ «اغتيال» هذا الاتفاق النووي بناءً لطلب من صديقه الدائم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وانسحب الرئيس دونالد ترامب منه يومها، واصفاً إياه أنه معيب، وأعاد فرض العقوبات المتعلقة بالملف النووي في عام 2018 خلال فترة ولايته الأولى. وصعّدت إيران أنشطتها النووية ردّاً على ذلك، مما أدّى إلى تجدّد الأزمة.
ويردّ الأوروبيون إعادة العقوبات لاعتقادهم أن إيران قد فشلت بشكل كبير في الوفاء بالتزاماتها النووية من خلال إخطار مجلس الأمن.
الثلاثي الأوروبي أرسل رسالة إلى مجلس الأمن. ولدى المجلس الآن 30 يوماً ليقرر ما إذا كان سيستمر في رفع العقوبات أو السماح لها بالانتهاء.
وقالت الرسالة إن عدم امتثال إيران للاتفاق النووي لعام 2015 كان «واضحاً ومتعمّداً». وأكدت أن إيران «لا تملك أي مبرر مدني» لمخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب – اليورانيوم المنقى إلى درجة شبه عسكرية – وأن برنامجها النووي «لا يزال يشكّل تهديداً واضحاً للسلام والأمن الدوليين».
الجزرة والعصا!
يقول الثلاثي الأوروبي إنه سيتواصل خلال الثلاثين يوماً المقبلة التواصل مع إيران «بشأن أي جهود دبلوماسية جادّة لإعادة امتثالها لالتزاماتها».
ولم تبذل إيران «أي جهد جوهري» لتلبية الشروط الأوروبية بحسب الثلاثي الأوروبي. وهي «فشلت باستمرار في تقديم ضمانات موثوقة بشأن طبيعة برنامجها النووي».
وكان من الطبيعي أن رحّبت الولايات المتحدة بعملية بدء إعادة فرض العقوبات السريعة. وهي أكدت أنها ستعمل مع الدول الأوروبية الثلاث لاستكمالها. مع تأكيدها أنها متاحة للتفاعل المباشر مع إيران – تعزيزاً لحل سلمي ودائم للقضية النووية الإيرانية.
يعبّر الأوروبيون صراحةً، ومن خلفهم الهيئة النووية العالمية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عدم قناعتهم أن البرنامج النووي الإيراني له أغراض سلمية بحتة.
هذا في حين تصرّ إيران بشدّة على أنها لا تسعى للحصول على أسلحة نووية، وأن برنامجها النووي مدني فقط.
تجد إيران نفسها «مجدداً» بين الترويض والتركيع! في حين أنها تواجه الجميع بالتهديد والوعيد!
أما المخارج فهي تتجه الى اللااتفاق. فإيران تريد أن تحتفظ بحقوقها في البرنامج النووي! أما أوروبا، والولايات المتحدة… وإسرائيل فهي تريد جميعها أن تعيد «فعلياً» النشاطات النووية الإيرانية الى الصفر!
فهل تكون العقوبات مبرراً أو مدخلاً لضربة عسكرية جديدة ضد ما تبقّى من البرنامج النووي الإيراني… أو أكثر؟
* كاتب وخبير في الشؤون الدولية