IMLebanon

اتفاق إيران مع الدول الست كان واقعاً

المعلقون على شاشات التلفزيون وحتى منهم وزراء كانوا يشككون في نجاح المفاوضات في الموضوع النووي بين ايران والدول الست التي منها الاعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الامن الى المانيا، التي باتت تتمتع بالاقتصاد الأكبر والاقوى في أوروبا.

لكن أسباب تأكيد النتيجة الايجابية كانت واضحة ومتعددة، ومن أهمها ما يأتي:

عجرفة نتنياهو وتصويره حيازة ايران سلاحاً نووياً بأنه أمر يهدد السلام العالمي، وهو رئيس وزراء دولة تمتلك أكثر من قنبلة نووية، ودولة هددت عندما اجتاحت قواتها في شرق قناة السويس القوات المصرية عام 1973 باستعمال القنبلة النووية اذا تأخرت الولايات المتحدة في ارسال شحنات أسلحة الانقاذ، والتي وفرها كيسينجر من مخازن القوات الاميركية في أوروبا التي كانت مجهزة في المقام الاول لجبه أي هجوم سوفياتي.

ومعلوم ان اسرائيل لا تنتمي الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحوز أكثر من مئة قنبلة نووية، ولا تسمح لخبراء الوكالة بزيارة مواقعها النووية، بينما انتسبت ايران الى الوكالة وافسحت لخبرائها في مجال الاطلاع على أكثر نشاطاتها في مجال الطاقة النووية للاغراض السلمية سواء في المعالجات الطبية أو توليد الكهرباء.

والقيادة الاسرائيلية تجاوزت التقبل الدولي لتوجهاتها عندما بشر نتنياهو خلال حملته الانتخابية بان اسرائيل ستكرس دولة لليهود. بكلام آخر، اعلن عن نيته تحويل دولة اسرائيل دولة عنصرية، وجميع زعماء اسرائيل كانوا يدّعون ان العرب عنصريون وان موجات التعصب حيال اليهود في انحاء العالم هي عنصرية، واذا برئيس وزراء اسرائيل يريد تكريس صورة دولته بالعنصرية المذهبية، والعنصرية ليست محصورة بألوان البشر واجناسهم بل هي تمتد أيضا الى معتقداتهم الدينية.

خلال المفاوضات النووية، وتعاظم الاحتجاجات الاسرائيلية، كان هنالك أصلاً، لو كانت ثمة عداوة حقيقية بين ايران واسرائيل، خطر الصواريخ الايرانية التي يبلغ مداها المدن الاسرائيلية والتي يمكن ان تشحن بالاسلحة الكيماوية البالغة الضرر بالمدنيين، لكن نتنياهو لم يذكر هذه الصواريخ الا بعد انجاز الاتفاق النووي.

على صعيد آخر، الدول المشاركة في المفاوضات الاخيرة، أربع منها هي الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وروسيا، كانت لها علاقات نووية مع ايران. فالاميركيون وفروا مفاعلا نوويا صغيرا للمعالجات الطبية لايران منذ عام 1975 خلال فترة حكم الشاه التي انقضت عام 1979. وللتذكير فقط نشير الى ان اسرائيل، بموافقة الولايات المتحدة، أرسلت أسلحة الى ايران في السنة الاولى لحربها مع العراق، ومن بعد اجريت محاكمة طويلة حول دور الاميركيين في هذه العملية، وقد سميت Iran Gate أي بوابة ايران.

الفرنسيون والالمان تعاقدوا مع ايران منذ عام 1975 – 1976 على انجاز محطتين لانتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وفرنسا بالذات تعهدت تأمين الأورانيوم المخصب لانتاج المحطتين، وقد حظيت بدفعة أولى على مستوى مليار دولار لتأمين الاورانيوم مع موعد انتهاء اعمال انشاء المفاعلين، التي كانت مقدرة بعام 1982، لكن الاعمال توقفت بعد الثورة على الشاه، واحتفظ الفرنسيون بالاموال المسبقة الدفع ولا يزالون، فلا عجب في مواقف وزير خارجيتهم التي ظهرت وكأنها الاكثر تشدداً، وهو يوحي بأن العقوبات الاقتصادية لن تلغى دفعة واحدة، بل على مراحل قد تستغرق سنتين وعلى الغالب يطمح الى استمرار الاستفادة من الدفعة المسبقة المجمدة.

أما الروس، فقد تولوا انجاز احدى المحطتين بطاقة 1000 ميغاوات وتوصلوا الى انهاء الاعمال عام 2014 عندما بدأ تشغيل المفاعل وتأمينه الكهرباء في ايران.

وحدها الصين من الدول الخمس كانت بعيدة من الشأن النووي، لكنها لم تلتزم العقوبات التي فرضتها على ايران الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي، وقد تابعت استيراد النفط الايراني، وكانت مع الهند من أهم زبائن هذا النفط الذي تقلصت كميات تصديره بسبب تردي أوضاع المنشآت من دون القيام باعمال ترميم وتطوير نتيجة حظر تصدير معدات آبار النفط والانتاج والنقل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

واستقلالية الصين اسبابها معروفة. فالصين باتت ثانية كبرى القوى الاقتصادية في العالم، وهي تتمتع بأكبر احتياط نقدي بلغت ارقامه 3,6 تريليون دولار أي ما يوازي 45 في المئة من الاحتياط العالمي، وهي لو شاءت التخلي عن سندات خزينة أميركية توازي قيمتها 1,5 تريليون دولار لتسببت بمشكلة حقيقية للولايات المتحدة. والصين عندما اعلنت نيتها انشاء مصرف لتمويل عقود منشآت البنية التحتية في آسيا برأس مال يساوي 50 مليار دولار يمكن زيادته الى 100 مليار دولار، وافسحت في انضمام الدول المتقدمة اقتصادياً الى رسملة المصرف، وجدت استجابة من بريطانيا والسوق الاوروبية والبرازيل وروسيا، وهذا التوجه اثار حفيظة الولايات المتحدة لانها تنظر الى المصرف العتيد على انه منافس للبنك الدولي حيث تحتفظ بالقدرة الرئيسية على القرارات بدءاً باختيار رئيسه.

يضاف الى استقلالية القرار الصيني ان شركة الصين النفطية الدولية تعاقدت مع ايران على تطوير في مجالات النفط والغاز وقدرات الصين في المجالين لا يستهان بها، كما ان ايران هي من الدول القليلة التي تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط والغاز وموقعها الجغرافي مناسب للتصدير الى أسواق آسيا التي صارت الاكبر على صعيد الاستيراد بعد خفض الولايات المتحدة مستورداتها النفطية مع زيادة انتاج النفظ من صخور الطفال ثلاثة ملايين برميل يومياً خلال السنوات الثلاث المنصرمة، واكتفائها كلياً بكميات الغاز المنتجة داخلياً، ومن صخور الطفال لكفاية حاجاتها الداخلية وبدء التحضير للتصدير.

أخيراً، كان لمشاركة ممثلة الاتحاد الاوروبي، الصبية الجميلة والذكية، تأثير وان يكون هامشياً، وفي تقديرنا ان توجهها الى انهاء اتفاق كان يعود الى أمرين:

اولاً: ان ايطاليا ادخلت نظام المشاركة في عمليات انتاج النفط للمرة الاولى في تاريخ الصناعة في ايران عام 1957، والقيادي الايطالي المقدام الذي رسخ هذا المنهج الذي اتبع في ما بعد في ليبيا وسوريا، كان انريكو ماتي المهندس الذي انشأ شركة ايني بعد الحرب العالمية الثانية لاعطاء ايطاليا موقعاً في هذه الصناعة العالمية، وبما انه ابتكر وسيلة اتفاقات لا تحظى بتوجهات شركات النفط الكبرى في ذلك التاريخ، اغتيل في رحلة جوية كان يقوم بها مع قائد طائرته، وكان يستعمل طائرة نفاثة حربية للانتقال بين مواقع عمله بسرعة.

ثانيا: ان دول اوروبا الغربية تعاني الانكماش وهي تبحث عن اسواق، من اجل توسيع حركة الانتاج وتوفير فرص العمل، وايران بسكانها الـ80 مليونا الذين حرموا المشاركة في الازدهار الدولي بين 1995 و2007 يحتاجون الى مختلف أنواع البضائع والاشغال التي تساهم في تطوير البنية التحتية والصناعة النفطية وتوافر المنتجات الالكترونية في المنازل والفنادق والمدارس والمستشفيات الخ…

الاوروبيون يرون ان دورهم يمكن ان يكون كبيراً في مختلف مجالات تنشيط الاقتصاد الايراني والدراسات الموضوعة عن حاجات ايران وفرص العمل فيها والتعامل معها تبين ان في وسع أوروبا الغربية رفع معدل نموها المتوقع من 0,8 في المئة الى 1,5 في المئة، وهذا تحول قد يعني ان زخم النمو يستعاد لاوروبا.

المنفعة الكبرى من الاتفاق عندما ينجز بصيغته النهائية في آخر حزيران من هذه السنة ستكون، بعد ايران، لدبي، ذلك ان رجال الاعمال الايرانيين العاملين في دبي يثابرون منذ سنوات على توفير كل ما هو ممكن من البضائع للسوق الايرانية عبر دبي، كما ان هنالك عدداً ملحوظاً من هؤلاء ممن انجزوا تشييد ثلث المباني السكنية، ومباني المكاتب الشاهقة في دبي، وهم يحوزون حسابات موفورة فيها، وتالياً سيشاركون في توسيع تجارة ايران، انطلاقا من دبي سواء في مجال استقبال البضائع واعادة تصديرها، أو فتح الاعتمادات المستندية، أو الاشتراك مباشرة في النشاطات الانشائية، وهذه الفرصة تتوافر وقت أخذت سلطات دبي تشعر انه يمهد لفترة انكماش تخالف تطلعاتها وطموحاتها، وعودة النشاط المباشر مع ايران هي الترياق لدبي.