IMLebanon

ايران وخيار التصعيد

 

لا يقدّم التصعيد الايراني في مياه الخليج ولا يؤخّر، عفوا انّه يقدّم، نظرا الى انّه يساعد في كشف طبيعة النظام الايراني اكثر لدى أولئك الذين لا تزال لديهم أي أوهام في هذا المضمار.

 

كانت الولايات المتحدة على حقّ عندما قررت ارسال تعزيزات عسكرية الى الخليج، من بينها حاملة الطائرات «ابراهام لنكولن» في ضوء التخوف من اعمال إرهابية إيرانية ردّاً على تشديد العقوبات على «الجمهورية الإسلامية». جاءت الاعتداءات التي تعرّضت لها اربع سفن بينها ناقلتا نفط سعوديتان وسفينة نروجية قبالة ميناء الفجيرة الاماراتي لتؤكد صحّة المخاوف الاميركية. يحدث ذلك في وقت لم تجد ايران سوى اتباع أساليب قديمة في إخفاء دورها والتظاهر بأنها حمامة سلام وحريصة على الاستقرار في المنطقة. هذا ما يفسّر كلام مسؤولين إيرانيين عن ان طرفا «ثالثا» وراء التصعيد والاعتداء على السفن عن طريق زوارق صغيرة موجهة مزودة بمواد تفجيرية. حسنا، اذا كان هناك طرف «ثالث» وراء التصعيد من المسؤول عن الاعتداء على منشآت نفطية سعودية؟

 

ألحقت الزوارق الصغيرة الموجهة اضرارا متوسطة بالسفن الأربع. أصحاب السفينة النروجية يقولون انّها كادت ان تغرق وان التفجير الذي تعرّضت له خلّف فجوة مستديرة في الهيكل.

 

عاجلا ام آجلا، سيكشف التحقيق انّ ايران وراء ما أصاب السفن الأربع وان موقع التفجيرات كان اختيارا دقيقا، ذلك ان ميناء الفجيرة ليس بعيدا عن مضيق هرمز، وهو يستخدم لتفادي عبور النفط في هذا المضيق الاستراتيجي ذي الاهمّية الحيوية.

 

كان لافتا ان وسائل اعلام تابعة للأجهزة الايرانية كانت اوّل من تحدّث عن التعرّض للسفن الأربع وذلك قبل صدور بيان عن وزارة الخارجية في  دولة الامارات العربية المتحدة يوضح ما حدث من دون توجيه ايّ اتهامات الى أي جهة. من الواضح ان هناك رسالة إيرانية الى دول الخليج العربي والى الإدارة الاميركية في وقت بدأت طهران تكتشف ان العقوبات التي فرضت عليها ليست مزحة.

 

لا يزال باكرا الكلام عن انفجار كبير في المنطقة على الرغم من نية ايران متابعة التصعيد وتحدي اميركا ودول المنطقة. لكن ما لا بدّ من التوقّف عنده ان ايران يمكن ان تذهب بعيدا بتحدّي الولايات المتحدة. يعود ذلك الى سببين اوّلهما الحاجة الى شدّ العصب داخليا وتصوير ان الشعب الايراني كلّه في مواجهة عدوان خارجي. امّا السبب الآخر، فهو رهان مسؤولين إيرانيين على انّ لدى إدارة ترامب اولويّات أخرى في مقدّمها الحرب التجارية مع الصين وان ثمّة هامشا يمكن ان تستخدمه «الجمهورية الإسلامية» لممارسة لعبتها المفضّلة. تتمثل هذه الللعبة في استخدام الميليشيات المذهبية من اجل السير قدما في المشروع التوسّعي القائم على «تصدير الثورة».

 

 

شيئا فشيئا يزداد التصعيد في المنطقة. ليس انسحاب الحوثيين فجأة من ميناء الحديدة اليمني على البحر الأحمر سوى جزء من هذا التصعيد الايراني المدروس. بعد انسحاب الميليشيا الحوثية (انصار الله) من الحديدة، ستلجأ ايران، بطريقة او بأخرى، الى تنفيذ عمليات تخريب في البحر الأحمر تستهدف سفنا تمرّ عبر مضيق باب المندب. لن تعود حجة لدى الآخرين لتحميلها مسؤولية عمليات التخريب هذه ما دام الحوثيون صاروا خارج الحديدة!

 

هناك لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي الّا على السذّج. هناك إدارة أميركية تعرف تماما ما هي ايران وتمتلك دفتر شروط عليها التزامه في حال كانت تريد العودة الى وضع الدولة الطبيعية. أي الى وضع الدولة التي لا تشكل تهديدا لجيرانها ولا تمتلك اوهاما مبنية على اعتقادات خاطئة من بينها انّ لديها ما تستطيع تصديره الى محيطها والى العالم غير البؤس والتخلّف. في النهاية ان الفشل الايراني الأكبر منذ قيام الثورة الشعبية التي أطاحت الشاه هو في بناء اقتصاد قوي متنوّع يجعل «الجمهورية الاسلامية» لا تعتمد كلّيا على تصدير النفط والغاز. هناك بلد فاشل اقتصاديا يريد قيادة المنطقة. هل هذا طبيعي… ام الطبيعي ان تعود ايران الى حجمها وتتوقف عن لعب أدوار تتجاوز هذا الحجم. مثل هذه الأدوار مسموح بها، الى حين، ما دامت تخدم السياسة الاميركية والسياسة الإسرائيلية القائمة على تدمير المجتمعات العربية واثارة الغرائز المذهبية.

 

في العام 1979، نجح آية الله الخميني، مع آخرين، في قلب نظام الشاه. نجح في التملّص من الآخرين وأنشأ «الجمهورية الإسلامية» التي راحت تبحث عن عدوّ خارجي. ادّت الاستفزازات الايرانية للعراق الى ارتكاب صدّام حسين حماقته المتمثّلة بإعلان الحرب على ايران. كانت تلك حربا احتاج إليها الخميني لتعزيز وضعه الداخلي اوّلا وإرسال الجيش الى الجبهات ثانيا وأخيرا. كان التصعيد مع الخارج هدفا بحدّ ذاته لمؤسس «الجمهورية الإسلامية» الذي احتاج الى استثارة الروح الوطنية الفارسية.

 

تلجأ ايران في عهد «المرشد» علي خامنئي الى أساليب قديمة في عالم تغيّر. قبل كلّ شيء، ان دول الخليج العربي التي تعاني من الممارسات الايرانية ومن الاستفزازات ليست صدّام حسين. الى جانب ذلك، انّ الإدارة الاميركية الحالية ليست إدارة جيمي كارتر الذي كان يتمتّع بمقدار كبير من السذاجة والميوعة الى درجة انّه راح يتفرّج على ايران بعد احتجاز عناصر من أجهزتها الأمنية ديبلوماسيي السفارة الاميركية في طهران التي سمّيت «عشّ الجواسيس». اكتفت إدارة كارتر بمحاولة يتيمة لإنقاذ ديبلوماسيي السفارة. ولمّا فشلت تلك المحاولة استسلمت للقدر ولابتزاز محتجزي الديبلوماسيين في عملية استمرّت 444 يوما انتهت بخسارة جيمي كارتر الانتخابات الرئاسية امام رونالد ريغان في خريف العام 1980.

 

تلك كانت مرحلة من الماضي. لا دول الخليج صدّام حسين ولا إدارة دونالد ترامب إدارة جيمي كارتر او رونالد ريغان الذي كان عقد سرّا صفقة مع الايرانيين عبر بيل كايسي (مدير السي. آي إي في عهده). قضت تلك الصفقة بامتناع ايران عن اطلاق الديبلوماسيين الاميركيين المحتجزين في طهران قبل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية. امّن ذلك السقوط الحتمي لكارتر في تلك الانتخابات.

 

هناك لعبة تمارسها ايران، سبق ان سمّيتها، في مقال سابق، لعبة التذاكي. لن تنفعها هذه اللعبة في شيء ما دامت لا تريد مساعدة نفسها اوّلا.  كيف تساعد نفسها؟ الجواب ان ذلك يبدأ باستيعاب ان العالم تغيّر وأن اميركا والدول الخليجية تعرفها جيّدا. لن يفيدها في شيء تفجير سفينة هنا او هناك او خطف جنود او مواطنين اميركيين… او شيء من هذا القبيل. يفترض في ايران مواجهة الواقع بعدما اثّرت العقوبات فيها الى درجة كبيرة وكشفت للعالم انّها ليست سوى دولة من دول العالم الثالث او الرابع او الخامس، ليس لديها ما تصدّره سوى العنف والابتزاز… والغرائز المذهبية. لماذا لا تبحث ايران عن بضاعة مختلفة تصدّرها؟