IMLebanon

التعاملات السرية بين ايران واسرائيل وأميركا تلغي اتهامات «الشيطان الأكبر والأصغر»   

 

 

كانت فترة الحرب العراقية – الايرانية 1980 – 1988 الأكثر فضائحية لعلاقة إسرائيل بإيران، التي احتاجت في تلك الفترة الي السلاح. وكشف وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو عن ان إيران وإسرائيل نسّقتا وتعاونتا مباشرة في المجالات العسكرية والاستخباراتية لتدمير العراق، خلال الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينات، حيث بلغت الصادرات الاسرائيلية من السلاح لإيران حينها ما قيمته ملياري دولار.

 

أضاف سترو: «ان اسرائيل منحت إيران معلومات عن مواقع عسكرية في غربي العراق، وقامت إيران بقصفها.. كما قدّمت إيران بدورها لإسرائيل، الكثير من الصور لمفاعل تموز النووي العراقي.. فقامت تل أبيب بتدميره».

 

لقد أكد سترو انه وخلال حرب إيران والعراق، كانت إسرائيل المورد الغربي الوحيد والموثوق لأسلحة إيران وبمباركة أميركية لافتة.

 

لقد سمح الخميني بهجرة الآلاف من اليهود الإيرانيين بحسب المسؤول الإيراني الفار من إيران عام 1995 محمد زاده مقابل قطع غيار لطائرات الفانتوم.

 

واجتمع مسؤولون إيرانيون وضباط إسرائيليون في فرنسا للتحضير لضرب المفاعل العراقي أوزيراك، وقد زوّدت طهران تل أبيب بصور وخرائط المنطقة التي يوجد فيها هذا المحوّل. كما عرضت على إسرائيل إمكانية هبوط طائراتها في تبريز عند الطوارئ، كذلك رتّب صفقات السلاح، والتعاون لضرب المفاعل العراقي الابن الأصغر لآية الله كاشاني الذي زار تل أبيب في الثمانينات.

 

أما من رتّب هجرة اليهود الإيرانيين الى إسرائيل، فهو الضابط الإسرائيلي أوري، إشارة الى انه أقام في إيران، خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية ما لا يقل عن ألف مستشار وفني إسرائيلي، داخل معسكر شديد الحماية والتنظيم شمال طهران حتى نهاية تلك الحرب. وعلى رغم ان إيران تملك عدة مؤسسات نووية شبه متكاملة، فإن أميركا وإسرائيل سمحتا لها بوصول البرنامج النووي الى مرحلة قريبة من الاكتمال من دون اعتراض جاد، وباستبعاد للعمل العسكري خلال عشر سنوات من تلك الحقبة.

 

التأثير اليهودي في طهران

 

على مستوى رعاية النظام الإيراني لليهود، تشير معلومات موثوقة، الى ان عدد يهود إيران في إسرائيل يتجاوز «المئتي ألف شخص»، وهم يتلقون تعليماتهم الدينية من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر يديديا شوفط المقرّب جداً من حكام إيران. وهؤلاء لديهم نفوذ واسع في التجارة والأعمال الحرّة والمقاولات العامة. كما ان لهم تأثيرا سياسيا ونفوذا كبيرا في قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي عام 2003، قدمت طهران للأميركيين وثيقة عبر السفير السويسري تيم غولديمان، وقّع عليها المرشد الأعلى علي خامنئي وسرّبها ترتيا بارسي، رئيس المجلس القومي الأميركي – الإيراني وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هوبكنز في كتابه «التحالف الغادر». وتعطي الوثيقة انطباعا عن التفاهمات الأميركية – الإيرانية – الإسرائيلية، وحيثيات اتفاق جنيف النووي… وقد عرضت طهران يومذاك وقف دعمها لحماس والجهاد الإسلامي، والضغط على المجموعتين لوقف العمليات ضد إسرائيل، ونزع سلاح حزب الله وتحويله الى حزب سياسي، وفتح البرنامج النووي الإيراني أمام التفتيش الدولية، والتعاون الكامل في ملف مكافحة الارهاب وخاصة تنظيم القاعدة، والقبول بإعلان بيروت الصادر عن القمة العربية.

 

من المؤكد أن التفاهم الأمني بين إسرائيل وإيران مستمر، بحسب غابي سيبوني، خبير المخاطر، والقائد السابق في لواء النخبة الإسرائيلي، والذي دعا الى ضرورة فتح قنوات تفاهم أمنية، والاستمرار في تعميق التعاون الأمني بين إيران وإسرائيل، وهو ما سرّبه السفير السابق للولايات المتحدة، فريدريك هوف، حيث قال: إن مسؤولين إيرانيين قالوا له إن طهران لم تكن على صراع مع إسرائيل والولايات المتحدة، إنما ترى أن عدوها الأول هو الرياض وبعض العواصم الخليجية…

 

حرب كاذبة

 

قال سترو: تلعب قنوات الاتصال الخفية دورا أساسيا في ترتيب العلاقات الدولية والأوضاع الإقليمية. وقد يبدو الظاهر في هذه الأدوار متجها نحو أهداف معينة بينما الواقع الخفي يشير الى غير ذلك. ينطبق هذا المنطق السياسي على العلاقات الإسرائيلية – الإيرانية التاريخية والاستراتيجية، رغم ما تشير إليه شعارات العداوة المصطنعة بينهما.

 

توثق هذه الحقيقة عدة كتابات وشهادات مخابراتية وسياسية، منها كتاب صدر حديثا من تأليف وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو، الذي حمل عنوان «الوظيفة البريطانية«. احتوى الكتاب على معلومات موثقة وتعليقات سياسية ذات أهمية كبيرة حول عمق العلاقات الإسرائيلية – الإيرانية في مختلف الميادين.

 

ولا تقتصر الشهادات على توثيق للمعلومات المعلنة حول تزويد إسرائيل لإيران بالأسلحة خلال الحرب العراقية – الإيرانية، بل تكشف عن تعاون استخباراتي بما يفضح زيف شعارات العداء الإيراني لإسرائيل. لم يكرر سترو الروايات القديمة حول الدعم التسليحي الإسرائيلي لطهران، بل أضاف قناعاته وتحليلاته القائلة إن الدعم الإسرائيلي لإيران كان من أجل أن تحقق طهران الانتصار على نظام صدام في الحرب ولأن تل أبيب وجدت هذا النظام خطرا عليها بعدما عبأ الشارع العربي ضدها.

 

وأخيرا، وعلى الرغم من ان إيران لم تتردد يوماً في التضحية بأهدافها الإيديولوجية من أجل بقاء الدولة ونظامها، يبقى السؤال المطروح هو هل توجد ضمانات بأنها ستصبح أكثر براغماتية متى صار في مقدورها، متابعة أهدافها الإيديولوجية من دون التضحية بموقعها الاستراتيجي؟ وهل ستبقى الإيديولوجية حافزا ثانويا لسياستها الخارجية، أم أنها ستصبح المحرّك الأول لها؟ وباختصار هل ستكون إيران الأقوى أكثر راديكالية أيضاً؟

 

التوقعات الدقيقة مستحيلة، وتدخل في علم الغيب، غير ان مراجعة لسلوك إيران في الماضي، تدلّ على ان إيران الأقوى والأكثر تكاملاً هي أيضاً إيران الأكثر اعتدالاً، كما يمكن لمقاربة أميركية جديدة ان تحوّل سياستها الخارجية تجاه إيران الى قوة تدعم الاستقرار عبر القبول بالأهداف الأمنية في مقابل تنازلات إيرانية في العديد من القضايا الاقليمية والدولية مع قبول إيران بالدور العالمي لأميركا، ووضع حد لعدائها لإسرائيل..

 

إن ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت عن إيران بأنها «عاصفة مظلمة آخذة في التجمع، وترخي بظلها على العالم» في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس في 24 أيار عام 2006، لن يقف عائقاً أمام العلاقات الإيرانية – الاسرائيلية التي تباركها الولايات المتحدة، وهي العلاقات التي لا ينكر أحد وجودها ومتانتها.

 

إن ما يجمع إيران بإسرائيل يبطل مقولة: «أميركا هي الشيطان الأكبر وإسرائيل هي الشيطان الأصغر»… وقد تكون هذه المقولة قد زالت فعلاً والى الأبد.