IMLebanon

الممانعة وهول الخسارة

 

 

يُحاول مُنظّرو فريق الممانعة المُتهالك، في لبنان وفي كافة الساحات الإقليمية، التنكر لواقع الخسارة الاستراتيجية التي مُني بها محورهم، والتي تُقارب الخسارة بالضربات القاضية، حيث يرفضون حقيقة التراجع الدراماتيكي للدور التأثيري لقيادة المحور الإيرانية في الأمور الإقليمية. كما يُبالغون في تمثيل دور الصمود والانتصار، ولكنهم بأدائهم هذا، سواء أكانوا يدرون أم لا، فإنهم يُشيرون إلى حجم الخسارة الكبيرة والقاسية التي لحقت بهم، وإلى هولها عليهم، والتي لا تقتصر على الوجه العسكري فقط، بل والأهم من كل ذلك في الوجه السياسي الإيديولوجي، وهذا بالتحديد، ما تخشاه دوائرهم التوجيهية والإعلامية، التي تتوقّع أن ينسحب التفكك والانهيار إلى كافة الشبكات الحزبية والسياسية والرسمية كافة، التي زرعوها في مؤسسات الدولة، ونجحوا في نسجها على مدى أربعين سنة من العمل المخابراتي، المُسهَّل حينها من قبل السلطات الرسمية، وبفعل تبادل الخدمات مع القوى السياسية الفاسدة الخاضعة لهم والعاملة بتعليماتهم.

 

أربعون سنة، عانى خلالها المواطن اللبناني من فرض لمسار تخلّفي على البلاد، يُعاكس المسار الطبيعي للبشرية والمجتمعات الحضارية والشعوب الناجحة، وضَعَ لبنان، واللبنانيين بكافة فئاتهم في مكان لا يشبه ثقافتهم وإرثهم وقناعاتهم، مكان اتّصف بالكثير من القيم المتذمّمة والفئوية والإلغائية. فاعتقد قياديو المحور الإيديولوجيون أن من خلال سيطرتهم على الدولة اللبنانية وقرارها الرسمي، ومن خلال نسج كل هذه الخطوط الدفاعية لصالح استراتيجيتهم، سيسمح لهم هذا الواقع، بإدارة وتوجيه لبنان رسمياً وشعبياً، إلى الأبد.

 

ولكن، مع التطورات الجذرية التي حدثت في السنة الماضية، فقد شهدوا، انهياراً لقدراتهم على التأثير، وتفلّتاً وهروباً من العمل بتعليماتهم، وبالتحديد، من قبل الأجهزة الرسمية الأمنية التي لم تعد تهاب سطوتهم عليها، والتي بدأنا نشهد انتفاضة منها يوماً بعد يوم على الامتيازات التي تمتعت بها أجهزة المحور وعناصرها المنضبطة وغير المنضبطة، والتي حمتهم من المحاسبة والملاحقة. ناهيك عن المواقف المُنتفضة للكثير من المسؤولين الرسميين اللبنانيين على الواقع السابق، والتي تتصاعد يومياً وبشكل تدرّجي، ككرة ثلج يستحيل إيقافها. فمن مواقف رئيس الجمهورية المُتصاعدة يومياً والتي تؤكد إصراره على ترتيب ووضع الإطار العام لتسلّم الدولة للسلاح غير الشرعي، وفكفكة كامل المنظمات العسكرية التي عاثت فساداً في البلاد، وتأكيده الحازم أيضاً على حصرية السلاح بيد أجهزة الدولة الشرعية، وتطمينه الجميع بأن الدولة تسير على الطريق الصحيح. إلى مواقف رئيس الحكومة التي لا تحمل شكوكاً، بمدى ثباته على وضع الإطار الصحيح والقانوني والسيادي لعملية الإصلاح، التي تبدأ باستكمال خطوات تحقيق السيادة الأمنية ولا تنتهي عند الإصلاح المالي والقضائي، وتأكيده المستمر على حصرية المرجعية الوطنية بمؤسسات الدولة الرسمية، إلى التسارع الواضح في الإجراءات القضائية التي يشهدها الجسم القضائي لتصفية الشوائب والفساد فيه، وإلى التشريع المتسارع في مجلس النواب لإصدار الاقتراحات والمشاريع التي نامت سابقاً في أدراجه، بهدف منع التقدّم بالإصلاحات الضرورية الكفيلة بنقل البلاد إلى حالة جديدة من الانتظام العام السليم، إلى المسار الأمني الذي يدلّ على أن الدولة وأجهزتها الأمنية بدأت بمسار استعادة الثقة بنفسها يوماً بعد يوم، لتتخلّى عن مفهوم الأمن بالتراضي. كل هذه المظاهر التفاؤلية تُنذر بعودة الدولة اللبنانية، وتتكامل مع المتابعة الحثيثة للموفدين الدوليين، العاملين على تشجيع وحثّ المسؤولين الرسميين للاضطلاع بدورهم التاريخي للبدء بمشروع بناء الدولة.

 

 

إن هول التغييرات الجذرية التي يشهدها لبنان تنهال كضربات شديدة على أنصار الدويلات والفساد، لتُنذرهم بقرب انقراضهم. وبدَلَ تحلّيهم بالحكمة والتعاطي مع المُستجدّات بمفهوم آخر، فإنهم يُحاولون إنكار الخسارة بالصراخ الإعلامي الذي يشنّونه على أنصار الدولة، ليتعاظم هول الخسارة عليهم، وليمتدّ تأثيرها إلى دورهم الوطني، الذي يستطيعون المشاركة فيه، إن أرادوا.