IMLebanon

البرنامج النووي الإيراني (2)

 

 

مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب بلغ 5751,8 كيلوغراماً منها ما يكفي لإنتاج حوالي 4 قنابل ذرية

 

 

بالرغم من نفي إيران على الدوام سعيها لامتلاك سلاح نووي، مع التشديد على سلمية برنامجها، فإنه قبل حلول منتصف آب الماضي، كان مخزون طهران من اليورانيوم المخصب يبلغ 5751,8 كيلوغراما، أي 28 ضعف الحد الذي سمح به إتفاق 2015 المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حسب آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن هذا الإجمالي، كان المخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، القريبة من نسبة 90% المطلوبة للاستخدام العسكري، تبلغ 164,7 كيلوغراماً، وهي كمية تكفي لإنتاج حوالي 4 قنابل ذرية، وفقاً لتعريف الوكالة الدولية التابعة للأمم المتحدة.

 

إلّا أن الجهود الإيرانية لحيازة التقنية النووية جوبهت بعراقيل سياسية واقتصادية وأمنية، فالولايات المتحدة الأميركية دأبت منذ مطلع الألفية الثالثة على انتقاد النظام الإيراني متهمة إياه بالسعي لحيازة السلاح النووي، خاصة أن واشنطن ليست مرتاحة للدور الإيراني في أفغانستان ومنطقة الخليج والعراق، ولا لدعمها الحركات الإسلامية المقاومة لإسرائيل في فلسطين ولبنان.

وبدأت إثارة المخاوف الدولية من البرنامج النووي الإيراني بإصدار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 12 أيلول 2003 قرارا يلزم إيران بـ«الوقف الفوري والكامل» لكافة نشاطاتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، وبتوقيع البروتوكول الإضافي الخاص بمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، والسماح الفوري بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية «دون قيد أو شرط».

 

وقد سبقت هذا القرارَ محاولاتٌ عدة قامت بها الوكالة الدولية بعد أن حصلت على معلومات من الولايات المتحدة الأميركية تفيد بأن إيران تمتلك علاوة على منشأة بوشهر النووية التقليدية منشأتين أخريين في مدينتيْ «أراك» و«نطنز» (وسط إيران)، وأنها تخصب اليورانيوم في المنشأة الأخيرة.

وبعد الضجة التي أثيرت حول هذه القضية آنذاك، زار رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقتها محمد البرادعي إيران في شهر فبراير/شباط 2004 لبحث هذا الأمر، وكان قبيل ذلك هدّد بنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي إن لم تمتثل طهران لمطالب المجتمع الدولي.

وتلت زيارة البرادعي لطهران مجموعة زيارات قام بها خبراء آخرون ومفتشون تابعون للوكالة الدولية إلى إيران، كانوا يأخذون فيها عيّنات من جميع المواقع النووية الهامة للتحقق من عدم وجود أنشطة نووية لم تُعلنها طهران من قبل.

 

لكن الأهم من كل ذلك هو الزيارة التي قام بها مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية والسياسية حينها خافيير سولانا إلى طهران قبل صدور قرار الوكالة، إذ أعلن للصحفيين بحضور وزير الخارجية الإيراني آنذاك كمال خرازي أن إيران ستسمع «أخبارا سيئة» إذا لم توقّع على البروتوكول الإضافي الصادر في عام 1997.

وكانت «الأخبار السيئة» هي القرار الذي أصدرته الوكالة وأجمعت الأوساط الإيرانية على أنه إنذار حادّ وتحدّ سافر للنظام الحاكم في إيران لم يواجَه بمثله منذ قيامه عام 1979، إذ لا مجال للمناورة كما كان في الأزمات السابقة ولا مفر له من القبول أو الرفض للشروط المطروحة من مجلس حكام الوكالة.

وفي رد رسمي على قرار الوكالة الدولية، أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية غلام رضا آغا زاده، في الاجتماع السابع والأربعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا يوم 15 أيلول 2003، أن إيران ستواصل التعاون مع الوكالة الدولية وأنها ستبتّ بشأن القرار الصادر، بينما طالبت الأوساط الإيرانية المحافظة برفض توقيع البروتوكول الإضافي.

 

وفي تشرين الأول 2003 زار وزراء خارجية أكبر ثلاث دول أوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بزيارة مشتركة لطهران حصلوا فيها على موافقة إيران على توقيع البروتوكول الإضافي الذي يسمح بتفتيش منشآتها النووية، وعلى وقف عمليات تخصيب اليورانيوم التي تُعدّ الخطوة الأولى نحو امتلاك السلاح النووي.

وكان ثمن التنازل الإيراني اعتراف الاتحاد الأوروبي بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ووعده إياها بدفع العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما، بينما راجت تكهنات بأن إيران تحتاج لعشرة أشهر فقط لتبني قنبلتها النووية، والصفقة مع الأوروبيين تعطيها هذا الوقت لأنها لم تحدد موعد توقيع البروتوكول الإضافي، وما يحتاجه من تصديق البرلمان الإيراني والمرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي.

وفي 24 تشرين الثاني عام 2013 وقّعت إيران ومجموعة «5+1» (التي تضمُّ الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) بعد جولات تفاوضية عدة اتفاقا مؤقتا في جنيف تضمن خطة عمل مشتركة، التزمت فيها طهران بعدم تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من نسبة 5%.

 

كما قضت الخطة بأن تُخفّض طهران بشكل كبير وتيرة تطوير برنامجها النووي، وأن تسمح لمراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقعها النووية المحورية، وفي المقابل وافق الغرب على تخفيف العقوبات الاقتصادية جزئيا، والإفراج لإيران عما يقارب 700 مليون دولار شهريا من ودائعها بالبنوك الغربية. ووُصف الاتفاق بأنه خطوة أولى يجب التوصل بعدها لاتفاقية شاملة.

ونص الاتفاق على أن يتم بدء تطبيقه في كانون الثاني 2014 للتوصل إلى اتفاق شامل في ستة أشهر من نفس السنة، وهو ما لم يقع في موعده فتم التمديد حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ومرة ثانية حتى يوليو/تموز 2015.

وفي 2 نيسان 2015 توصلت طهران والدول الست الكبرى في مدينة لوزان السويسرية إلى «اتفاق إطار» تأمل منه حلّا نهائيا لملف البرنامج النووي الإيراني.

ويوم 14 تموز 2015 وقّع الطرفان اتفاقا ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية، ويأتي استكمالا لاتفاق لوزان.

وعلى الرغم من أن إيران كانت قد أعلنت قبل سنوات عدة أنها تهدف إلى توفير 20% فقط من الطاقة الكهربائية، مما يعني حاجتها إلى مفاعلين نوويين بحجم بوشهر، فإنها عادت بعد ذلك وصرحت على لسان رئيسها آنذاك محمود أحمدي نجاد بأنها ستحتاج إلى بناء عشرين مفاعلا تتوزع جغرافيا على كافة أنحاء البلاد.

وفيما يلي المواقع الرئيسية البنيوية والفني التي يتشكّل منها البرنامج النووي الإيراني، وفقاً المكونات التالية:

• منشآت تخصيب اليورانيوم:

– نطنز:

كُشف عن وجود نطنز عام 2002، وهي من الأبرز بين منشآت البرنامج النووي الإيراني، (تعرّض للاستهداف الإسرائيلي الجمعة).

وتقسم المنشأة، وإسمها الرسمي «موقع الشهيد أحمد روشان»، الى قسمين; أحدهما فوق الأرض والثاني تحتها، ويضم نحو 70 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي، أي أكثر من 10 آلاف من هذه الأجهزة المستخدمة لتخصيب اليورانيوم.

وتعرّض الموقع لعملية تخريب في نيسان نسبتها إيران إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

– فوردو:

كشفت إيران في أيلول 2009 عن منشأة فوردو المحصّنة داخل الجبال بين طهران وقم (وسط)، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، ما أثار أزمة مع القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي. وبعدما وصفتها بأنها «موقع إنقاذ» في منطقة جبلية بالقرب من قاعدة عسكرية لحمايته من هجوم جوي، عادت طهران وأعلنت أنه منشأة تخصيب بقدرات عالية، يمكنها إستيعاب نحو 3 آلاف جهاز للطرد المركزي.

وفي هذا الموقع تمّ اكتشاف جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83,7% في بداية 2023، وبررت إيران ذلك بأنه «تقلبات غير مقصودة» خلال التخصيب.

• مصانع التحويل والبحث:

– أصفهان:

يتيح مصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان (وسط)، والذي تم إختباره صناعياً في عام 2004، تحويل «الكعكة الصفراء» (مسحوق خام اليورانيوم المركز المستخرج من المناجم الصحراوية الإيرانية) إلى رباعي فلوريد وثم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم (UF4 وUF6). بعد ذلك يجب إدخال هذه الغازات في أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب.

كما تضم أصفهان مختبرا تم تدشينه في نيسان 2009 ينتج وقوداً منخفض التخصيب مخصصاً للمفاعلات المحتملة.

وفي مطلع عام 2024، أعلنت إيران بدء أعمال بناء مفاعل بحثي جديد في الموقع.

– أراك:

بدأت أعمال بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك (وسط)، المخصص رسمياً لإنتاج البلوتونيوم لأغراض البحث الطبي، في العقد الأول من الألفية الثالثة. لكن المشروع تمّ تجميده بموجب الاتفاق الذي أبرمته إيران والقوى الكبرى عام 2015، والذي نص على إعادة تصميمه. وبالتالي، تمت إزالة نواة المفاعل وصبّ الخرسانة فيه لجعله غير قابل للتشغيل.

ويتوقع أن يتم تشغيل الموقع الذي بات يعرف باسم خنداب، في عام 2026.

ويضم المجمع كذلك مصنعاً لإنتاج الماء الثقيل.

• طهران:

يضم مركز الأبحاث النووية في طهران مفاعلاً لإنتاج النظائر الطبية تم تسليمه من قبل الأميركيين في عام 1967، قبل انتصار الثورة الإسلامية.

• محطة نووية:

– بوشهر:

بدأت محطة بوشهر النووية (جنوب) التي شيدتها روسيا وتزودها بالوقود النووي، العمل في أيلول 2011 بقدرة منخفضة قبل أن تُربط بالشبكة الكهربائية في العام الذي تلاه، علماً أن ألمانيا بدأت العمل على بنائها قبل انتصار الثورة الإسلامية، واستكملت موسكو عام 1994 بناء هذه المحطة بقدرة 1000 ميغاواط.

وتبني إيران محطتين نوويتين أخريين بمساعدة روسيا، هما دارخوين (جنوب غرب) التي بدأ العمل عليها أواخر عام 2022 بقدرة 300 ميغاواط، ومجمع سيريك (المطل على مضيق هرمز) الذي بدأ إنشاؤه مطلع عام 2024، ويضم 4 محطات بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 5 آلاف ميغاواط.

بعد مضي أيام على بداية الضربات الإسرائيلية على إيران، التي لم تتأخّر في رد لا يقلّ آلاماً على الضربات الإسرائيلية، فإنه يبقى العائق الجدي الذي قد يحول دون وقوع أو نجاح ضربة إجهاضية ضد المنشآت النووية الإيرانية محصورا في أمرين اثنين:

1. أن المواقع النووية الإيرانية متعددة، إذ يقدّر عددها بـ19 موقعا، وهي متباعدة في المكان على مساحة الدولة الإيرانية، كما أن بعض هذه المواقع مبني تحت الأرض ومحصّن تحصينا قويا.

فإذا قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة أو هما معا ضرب المنشآت الإيرانية فلن يكون الأمر ضربة واحدة، بل حملة جوية شاملة قد تستمر يومين أو ثلاثة أيام على مدار الساعة، بحكم تعدد المنشآت الإيرانية وتباعدها، وهو ما يُنهي عنصر المفاجأة مع أول ضربة ويمكِّن الإيرانيين من تنظيم دفاعاتهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

2. أن ردود الفعل الإيرانية مؤكدة وباهظة الثمن، ويخشى الإسرائيليون على وجه التحديد من صواريخ «فجر» التي زودت بها إيران حزب الله اللبناني والتي تؤرق سكان شمال إسرائيل، وصواريخ «شهاب» الإيرانية البعيدة المدى لأنها قادرة على الوصول إلى المدن الإسرائيلية، كما أن إيران اختبرت صاروخا يتجاوز مداه المسافة بين إيران وأوروبا، تحت غطاء إطلاق أقمار اصطناعية.