IMLebanon

الفشل اللبناني ليس يتيما 

ليس سقوط لبنان الذي يعاني من أزمة وجوديّة حكرا على هذا البلد. بات الفشل على امتداد المنطقة كلّها. لم يعد من مكان في المنطقة سوى لكلمة واحدة هي كلمة الفشل. في أساس هذا الفشل غياب ايّ دولة عربيّة في منطقة المشرق، باستثناء المملكة الأردنيّة الهاشميّة، تمتلك حدّ ادنى من التماسك الداخلي وتستطيع القوى السياسية المسيطرة فيها استيعاب موازين القوى الإقليميّة من جهة وما يدور على صعيد العالم من جهة أخرى.

فقدت كلّ دولة من الدول المشرقيّة الثلاث، أي العراق وسوريا ولبنان، مقومات وجودها. لم يعد العراق سوى مثال للدولة الفاشلة في كلّ المقاييس، خصوصا بعدما استطاعت ايران التحكّم بها نتيجة الحرب الأميركية في العام 2003، وهي حرب خرج منها منتصر واحد هو «الجمهوريّة الإسلاميّة» التي لم تعد تعرف ما الذي تفعله بانتصارها العراقي.

ليس ما يدلّ على الفشل العراقي أكثر من العجز عن تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة مصطفى الكاظمي، على الرغم من انّ الانتخابات النيابيّة أجريت في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. خسرت الأحزاب الموالية لإيران تلك الانتخابات. رفضت «الجمهوريّة الإسلاميّة» تقبّل  تلك الخسارة ورفضت دعوات الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى تشكيل حكومة تضمّ تحالفا حزبيا شيعيا – سنّيا – كرديّا مع وجود معارضة داخل مجلسّ النوّاب لهذه الحكومة.  فرضت ايران جمودا سياسيّا في العراق.

بدل ان تستثمر ايران في علاقات حسن جوار مع العراق، استثمرت في الميليشيات المذهبيّة التابعة لها والتي تعمل تحت تسمية «الحشد الشعبي». لم يكن لديها من هدف، بعد العام 2003، سوى الثأر من العراق والعراقيين غير مدركة انّ مثل هذا الحقد على العراق والعراقيين سيرتدّ على «الجمهوريّة الإسلاميّة» نفسها التي لم تعد لديها قدرة على التحكّم بمجريات الأمور في البلد الجار. لا تدرك «الجمهوريّة الإسلاميّة» أن لا نموذج ناجحا لديها تستطيع تصديره إلى العراق الذي لم يعد معروفا هل يخرج يوما من الجمود السياسي الذي لا افق له في المدى المنظور. في غياب أيّ انفراج من أي نوع يمكن ان يأمل به العراقيون، ثمّة مخاوف حقيقية من انفجار داخلي في غياب القدرة على حلّ المشاكل الاجتماعية والحياتيّة في بلد يدخل خزينته مبلغ احد عشر مليار دولار من بيع النفط!

سيكون صعبا إعادة تركيب العراق بعدما تبيّن أنّ النظام القائم منذ العام 2003 لا يقلّ سوءا عن نظام صدّام حسين الذي ادخل العراق في مغامرتي الحرب مع ايران ثمّ احتلال الكويت، وهما مغامرتان لم يستطع الخروج منهما سالما.

ليس النظام العراقي وحده من النوع غير القابل للحياة، هناك النظام السوري أيضا الذي يتكشف افلاسه يوما بعد يوم. ليست الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس النظام بشّار الأسد لطهران سوى تعبير عن هذا الإفلاس في وقت يزداد الوضع الداخلي السوري سوءا فيما تزداد ايران قوّة على الأرض السوريّة، على الرغم من الضربات الإسرائيليّة.

استفادت ايران إلى حدّ كبير، على الصعيد السوري، من غرق روسيا في الوحول الأوكرانيّة. لم يعد التوازن الذي كان قائما بين طهران وموسكو موجودا. سحبت روسيا التي تبيّن انّها تستطيع ممارسة الهمجية في سوريا من دون حسيب او رقيب قسما من قواتها الموجودة في هذا البلد. فعلت ذلك بعدما اكتشفت ان الحرب الأوكرانيّة ليست نزهة، خصوصا في ظلّ مقاومة حقيقية يبديها الأوكرانيون من جهة ووقوف العالم الغربي في وجهها من جهة أخرى.

ذهب بشّار الأسد إلى طهران من اجل إعادة تفعيل الخط الإئتماني الإيراني الذي كان يسمح له بشراء نفط وغاز وتوفير مواد غذائية للسوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام. ستطلب ايران الكثير من اجل إعادة تفعيل الخطّ الإئتماني مع سوريا. ولكن هل لديها مشروع سياسي لسوريا باستثناء تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافيّة للبلد من وجهة نظر مذهبيّة والسيطرة في الوقت ذاته على موارده؟

هناك افلاس سوري ليس بعده افلاس على كلّ المستويات. لا يتفوق على هذا الإفلاس سوى ذلك الذي يعاني منه لبنان الذي دخل بدوره العصر الإيراني وذلك منذ اغتيال رفيق الحريري في شباط – فبراير 2005 في سياق الإنطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الإيراني، مباشرة بعد سقوط العراق. لا يمكن عزل اغتيال رفيق الحريري كزعيم سنّي ولبناني يمتلك علاقات عربيّة ودوليّة عن الهجمة الإيرانيّة المتجددة على المنطقة التي بدأت مع سقوط بغداد.

لم يعد الفشل اللبناني، الذي سيكشفه الواقع المتمثّل في ان الانتخابات النيابية في يوم 15 أيّار – مايو الجاري يتيما. إنّها انتخابات لن تغير شيئا، بمقدار ما انّها ستكشف ان فشل لبنان جزء من فشل على الصعيد الإقليمي. هناك ثلاث دول يبدو مصيرها على المحكّ. هناك منطقة تبدو مقبلة على تغييرات كبيرة في اتجاه الأسوأ طبعا!