IMLebanon

اعتداء وزارة التربية: «جبر الخواطر» استثنى الطلاب العراقيّين

 

 

يصعب سبر أغوار فوضى ملف الطلاب العراقيين في لبنان. في كلّ مرة، يطرأ حدث ما، أو تطوّر في الملف، يكون التعتيم على الموضوع وإخفاء المعلومات الحقيقية، سيدَ الموقف في الدوائر التربوية الرسمية اللبنانية والعراقية على السواء. ليس هناك استعداد لدى أيّ من المسؤولين في وزارة التربية أن يجيبنا على أسئلتنا. في الغالب، يتقاذفون المسؤوليات وتضيع الطاسة، ولا تجد من يضغط لمكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين

 

انتهت حادثة الاعتداء على الطلاب العراقيين في وزارة التربية، الأسبوع الماضي، ببروتوكول تعاون بين الوزارتين اللبنانية والعراقية يشكل إطاراً لتنظيم المصادقات والمعادلات لمعاملات الطلاب الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية وتسريع هذه الخدمة. وبناءً عليه، توقفت الوزارة عن تسلّم الطلبات في انتظار وضع آلية تنفيذية للبروتوكول. سبق ذلك، اعتذار قدّمه رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى نظيره العراقي، محمد شياع السوداني، وتبادل الجانبين، في اتصال هاتفي رسائل الشكر والإعراب عن ثقة المسؤول العراقي في مسعى الحكومة اللبنانية لرعاية متطلبات الطلاب.

 

 

الطلاب متروكون

إلا أن هذه الثقة لم تنسحب على الطلاب أنفسهم، الذين أُهينوا وشُتموا من القوى الأمنية وموظفي الوزارة، لكون «جبر الخواطر» جرى على مستوى رفيع، على ما يقول طالب الماجستير في جامعة الجنان، عباس فاضل عرسان، من دون أن يعتذر أيّ من المسؤولين اللبنانيين إلى الطلاب، ويلتفتوا إلى ما أصابهم من انكسار وإهانة لكرامتهم. ميقاتي لم يستقبل الطلاب في السراي ولم يقف على روايتهم، كما وعد، إنما اكتفى فقط بلقاء اللجنة الموفدة من وزارة التربية العراقية لتوقيع البروتوكول. واللجنة نفسها لم تلتقِ الطلاب أيضاً، ما دفع بأحدهم إلى الاتصال بالملحقية الثقافية وتسجيل عتب شديد على استبعاد الطلاب من كلّ اللقاءات وكأنهم ليسوا رعايا للدولة العراقية. وسأل الطالب: «ماذا يتضمن البروتوكول؟ هل هو اتفاق سري لا يجوز إطلاع الطالب العراقي، المعني الأول والأخير بالملف، عليه؟ ماذا عن التحقيق في الحادث؟ هل سيحاسَب المرتكبون؟». وقال: «قرأنا اعتذاراً صادراً عن وزير التربية، لكننا لم نسمع صوت وزير الداخلية اللبناني، ولم نعرف ما إذا تحوّل رجل الأمن، الذي يقع تحت إدارته، إلى التحقيق وما إذا كان سيُحاسب على فعلته».

 

مشهد صادم

ينفي عرسان الرواية التي تحدّثت عن تدافع الطلاب وإصرارهم على الدخول، وعدم الإذعان لمطالبات الموظّفين والعناصر الأمنيّين بالتراجع، ويوضح ملابسات المشهد الصادم بالقول: «في العادة تحجز الجامعات المواعيد لإجراء المصادقات والمعادلات تبعاً للأولويات، ويبلغ عدد المعاملات التي تُنجز في اليوم الواحد 30 معاملة، وعلى مدى 3 أيام في الأسبوع، في ظلّ إضراب لموظفي الوزارة مستمرّ منذ أكثر من سنة. إلا أن الطلاب الذين حضروا في يوم الحادثة، أي في 9 آذار الجاري، كانوا أكثر من المعتاد، إذ بلغ عددهم 50 طالباً، وقد دوّنّا، بناءً على طلب القوى الأمنية، أسماء كل الحاضرين على ورقة سلّمناها للعنصر الأمني، وطلبنا منه أن يختار من بينها لكوننا غير قادرين على القيام بالأمر بأنفسنا، لما يسبّبه ذلك من إحراج بيننا، فما كان من رجل الأمن إلا أن مزّق الورقة، ما أثار غضب الطلاب واستياءَهم، واستدعى بعدها أن يهجم علينا موظفون في الوزارة وعناصر أمنيون على السواء، مستخدمين الهراوات والسباب والشتائم بحق الشعب العراقي بأسره، والقول لنا «فلوا من هون»، وهو ما تظهره مجموعة كبيرة من الفيديوهات في حوزتنا، في حين أننا طلاب علم مسالمون لا نملك سوى الورقة والقلم ولا حول لنا ولا قوة».

 

تجارة السماسرة

 

الكلام عن كثافة الطلاب العراقيين في الجامعات اللبنانية مردود، بحسب عرسان، «فأعدادهم لا تفوق القدرة الاستيعابية للجامعات، إذ تشير آخر الإحصاءات إلى أن هناك 8000 طالب في الدراسات العليا، موزعين على 8 جامعات، ولا يختلف هذا الرقم عن أعداد الطلاب المسجلين في الأردن أو سوريا أو أي دولة عربية أخرى، مع فارق أن وزارة التربية اللبنانية هي الوزارة الوحيدة التي تطلب معادلة شهادة الثانوية العامة دون باقي وزارات التربية الأخرى». ويتحدّث عرسان عن الاستغلال الذي يتعرّضون له، إذ يقعون أسرى للسماسرة في الوزارة، إذ تبيّن أن «حجز» موعد على المنصة الإلكترونية التي استُحدثت في وقت من الأوقات للتخفيف من تدفق العراقيين، وحجم الازدحام في مبنى الوزارة، لم يكن يتعدى الفسحة التجارية لبعض السماسرة من الموظفين في الوزارة لتسريع إنجاز الطلبات وتمرير أكبر عدد ممكن يومياً، فمجرد حجز الموعد كان يكلف الطالب 200 دولار. أما بيع الطوابع في السوق السوداء فحكاية أخرى، إذ طلب أحد السماسرة من عرسان شخصياً 200 ألف ليرة ثمن طابع الـ1000 ليرة! ومع أن عرسان لا يقرّ بالمضايقات التي تواجه الطلاب خارج الوزارة، فإن طلاباً آخرين يروون كيف أن استغلال امتلاكهم للعملة الصعبة يبدأ من سائق التاكسي ولا ينتهي بصاحب الشقة التي يستأجرونها.

ثمة من يخرج ليقول إن الطلاب العراقيين هم من كانوا يعرضون الرشى لتسيير أمورهم، وإن الجانب العراقي الرسمي يتحمل مسؤولية كبيرة، فهو مشارك أساسي في الفوضى الحاصلة، والطلاب في السنوات الأخيرة حصلوا على شهادات بلا تعلم، إذ كانوا يتسجلون في الجامعات، وهم في وظائفهم في العراق، فيتابعون التعليم عن بعد، أو حتى إنهم لا يحضرون أيّاً من المقررات، ثم عند انتهاء السنة يسلّمون أبحاثهم عن بعد، وتجري أيضاً مناقشاتها عن بعد وتُمنح الشهادات على هذا الأساس. وكان عام 2021 ضجّ بفضيحة بيع وتزوير عشرات آلاف الشهادات للطلاب العراقيين، وقيل إن وزير التربية عباس الحلبي شكّل لجنة تحقيق، إلا أن أيّ شيء من نتائجه لم يصدر إلى العلن، كما لم يخرج أحد ليضع الرأي العام في ملابسات هذه القضية الحيوية التي تعني كل اللبنانيين، ولم تجرِ محاسبة أي من المرتكبين.

لم يلتق رئيس الحكومة اللبناني واللجنة الوزارية العراقية الطلاب

 

 

وفي العراق، جرى التداول في أن قوى سياسية نافذة تدخّلت لمنع اتخاذ إجراءات تحقيق في شهادات العراقيين المشكوك فيها، وعدم التوسّع في هذه القضية، كون الكثير ممن يحملون شهادات من جامعات لبنانية خالفت أبسط القواعد الأكاديمية يتولون مسؤوليات حساسة ومهمة في وزارات عراقية لا يمكن محاسبتهم، وذلك على الرغم مما أوصت به لجنة وزارة التعليم العراقية التي زارت بيروت في وقت سابق وحقّقت في موضوع الشهادات ورفعت تقاريرها، باستثناء توقيف عدد من الأشخاص وسحب صلاحيات من مسؤولين في السفارة في بيروت متورّطين بسمسرة التسجيل ومنح الشهادات.

 

تعتيم لبناني وعراقي

 

في تموز 2022، أصدرت الحكومة العراقية دليلاً بعدم الاعتراف بشهادات جميع الجامعات اللبنانية، باستثناء الجامعتين الأميركية في بيروت واللبنانية الأميركية. وفي اليوم الثاني لصدور القرار أرسلت «الأخبار» كتاباً رسمياً إلى القنصل العراقي، مهند الجوراني لسؤاله عن الدوافع الأساسية التي أدّت إلى اتخاذ قرار عدم الاعتراف بشهادات الجامعات اللبنانية، وعن الأعداد الحقيقية للطلاب العراقيين في لبنان والمشاكل التي تواجههم، وعما إذا جرت محاسبة المرتكبين في ملف تزوير الشهادات، إلا أنها لم تلقَ أي جواب حتى الآن، علماً أن الجوراني أبلغنا بأنه حوّل الملف إلى الملحقة الثقافية العراقية، بان حوشي، التي وعدت بدورها بإرسال الأسئلة إلى وزارة التربية والعودة إلينا بالأجوبة، إلا أن ذلك لم يحصل.

وغداة حادثة الاعتداء الأخيرة على الطلاب العراقيين، حاولت «الأخبار» التواصل مع الدوائر الرسمية اللبنانية المعنيّة بالملف إلا أن التكتم والهروب من المسؤولية بقيا سيّدَي الموقف، فالمدير العام للتربية عماد الأشقر قال: «أنا مدير عام التربية وليس التعليم العالي ويجب التكلم مع مدير التعليم العالي مازن الخطيب». الاتصال بالخطيب لم يكن سهلاً هو الآخر، إذ لم يجب على أيّ من اتصالاتنا ورسائلنا النصية ولم يوافق على إعطائنا موعداً للقاء به والوقوف على حيثيات ما جرى وشوائب ملف الطلاب العراقيين في لبنان.