IMLebanon

هل يعطّل الحرس الثوري الاتفاق النووي الإيراني؟

يشهد القطاع الاقتصادي في إيران نشاطاً وتفاؤلاً كبيرين في أعقاب نجاح الدبلوماسية الإيرانية في تمرير الاتفاق مع دول مجموعة «5+1«، ويبدو أن القطاع الخاص المحلي الإيراني والشركات الغربية على أهبة الاستعداد لاغتنام بعض المكاسب الاقتصادية بعد توقيع إيران الاتفاق النهائي في 14 من شهر يوليو/تموز الماضي. تأمل إيران في العودة سريعاً وبقوة إلى أسواق النفط العالمية، والاندماج مجدداً في النظام المالي العالمي. بيد أن حصول القطاع الخاص المحلي والأجنبي على مكاسب عريضة لا يبدو احتمالاً قريباً. فرغم التعهدات السياسية قبل الاتفاق بشهور بتحسين بيئة الأعمال، وإتاحة الفرصة أمام انطلاق القطاع الخاص؛ لا يزال تغلغل مؤسسات الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني أهم الحواجز والعقبات الراهنة، فدائماً كانت تحصل على مزايا وتفضيلات تحد من نشاط القطاع الخاص، ومن ثم فإن بقاء مثل هذه القيود يفرض سيناريوين رئيسيين؛ إما أن تتمكن السلطات السياسية من كبح جماح شركات الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني، أو أن يضطر القطاع الخاص للتحالف مجبراً مع الحرس الثوري.

إبرام الاتفاق النووي النهائي بين إيران ومجموعة «5+1» زاد من احتمالات عودة اقتصادها المتهالك إلى مظلة النظام الاقتصادي العالمي. وبموجب الاتفاق، سيتم رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بشكل تدريجي بالتزامن مع وفاء إيران بالتزاماتها في الاتفاق النووي. وسيكون بمقدور إيران استرداد أصول مجمدة بالخارج تصل إلى 100 مليار دولار، ومن المعتقد أن تعود قريباً إلى شبكة المدفوعات الدولية (SWIFT)، بما سيمكِّنها من الاندماج في شبكة المنظومة المالية العالمية، والاستفادة من الفرص التمويلية المختلفة.

أياً كانت الشكوك حول توقيت عودة إيران إلى سوق النفط العالمية، فأكثر التوقعات تشاؤماً ترى أن إيران ستتمكن من زيادة إنتاجها النفطي بنحو 700 ألف برميل بنهاية 2016 ليصل إلى قرابة 3,5 ملايين برميل يومياً، علاوة على 40 مليون برميل أخرى كمخزون استراتيجي لديها. ومع استعداد الشركات الغربية لدخول قطاع البتروكيماويات والسيارات وضخ استثمارات كبيرة فيها، ستستطيع الخروج من ركودها الحاصل في الأعوام الماضية، وهو ما سيقود إلى نمو متسارع قد يصل إلى 5% و6% خلال عامي 2015/2016، و2016/2017 على التوالي، بحسب ما أشارت تقديرات معهد التمويل الدولي.

ورغم عدم ترجمة زيارات الوفود الاستثمارية الأوروبية والروسية لإيران على مدار الأشهر السابقة للاتفاق النووي إلى صفقات حقيقية حتى الآن، فإنه بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، سيكون بمقدورها الدخول إلى السوق الإيرانية بسهولة. ولعل زيارة وزير الاقتصاد الألماني، سيغمار غابريال، إلى إيران تمثل إشارة إلى استعداد الشركات الألمانية للتنافس على حصة من مكاسب الاتفاق النووي. كما أن وفداً اقتصادياً فرنسياً، سيقوم بزيارة إلى إيران قريباً، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم لجنة الصناعة في مجلس الشورى الإسلامي، رمضان علي سبحاني، وقد دخلت شركات السيارات الفرنسية في مفاوضات سابقة مع السلطات الإيرانية لضخ استثمارات في قطاع السيارات الإيراني.

هذا السباق الغربي يعكس جانباً من المنافع المشتركة التي أنتجها الاتفاق النووي. فعلى سبيل المثال، من أجل أن تتوصل إيران إلى إنتاج يومي بـ5 ملايين برميل، فهي بحاجة إلى استثمارات تناهز 100 مليار دولار، ما يعني نسبياً اعتمادها على الشركات الغربية، وفي مقابل ذلك، وفي ظل تراجع الأسعار العالمية للنفط، تبحث الشركات المنتجة للنفط عن مواقع منخفضة التكلفة لإنتاج النفط مثل إيران.

في المقابل، لن يكون الطريق ممهداً على الإطلاق، حيث تظهر تخوفات غربية كبيرة من النشاط الاقتصادي لشركات الحرس الثوري الإيراني، ويعتقد رجال أعمال محليون وأجانب أن أبواب الاستثمار الأجنبي في البلاد لن تكون مفتوحة ما لم يتم تحجيم التوغل الاقتصادي للحرس الثوري في البلاد. وفي الوقت نفسه، ربما يخشى الحرس الثوري من فقدان نفوذه الاقتصادي بالبلاد، لا سيما أن فترة العقوبات الاقتصادية الممتدة طيلة 10 سنوات، سمحت بزيادة دوره داخل الاقتصاد، والحصول على تسهيلات تمويلية وعطاءات حكومية كبيرة الحجم، في مناخ أعمال لم يتسم بالتنافسية أو التكافؤ.

خريطة القوى الاقتصادية الإيرانية تكشف أن شركات الحرس الثوري تساهم بما نسبته 15% من الناتج المحلي الإيراني، وتتحصل على 12 مليار دولار سنوياً من التجارة غير المشروعة، كما تُساهم من وراء ستار في بعض الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء. وبصفة عامة، ظل دور القطاع الخاص بالاقتصاد الإيراني محدوداً، ولا تتجاوز مساهمته أكثر من 20%، في ظل تمدد شركات الحرس الثوري، علاوة على الدور التاريخي لكل من الشركات المملوكة للحكومة ومؤسسات «البونياد«.

أمام هذا الدور المتوسع للحرس الثوري، وفي محاولة لجذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، تعهدت حكومة الرئيس حسن روحاني بمساندة القطاع الخاص المحلي والشركاء الأجانب، وهو ما انعكس في إعلان روحاني في جلسات في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في كانون الثاني/يناير 2014، عن اعتزام حكومته تقديم نماذج استثمارية جذابة لعقود النفط مع الشركات الأجنبية، ذات آجال أطول قد تصل إلى 25 عاماً، وعوائد أكبر. وقبيل ذلك بشهور، وفي مواجهة قد تبدو مباشرة مع الحرس الثوري، أشاد روحاني في خطابه الرسمي في سبتمبر/أيلول 2013 بمناسبة «يوم الدفاع المقدس«، بالأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري، ولكن في الوقت نفسه، حث الحرس الثوري على الدخول في المشاريع الكبيرة الحجم فقط، بما لا يزاحم استثمارات القطاع الخاص.

ليس من الواضح ما إذا كان روحاني سيجبر الحرس الثوري على كبح جماح توغله بالاقتصاد الإيراني، ولكن على أية حال، يظل ذلك مستبعداً، لا سيما أن أوجه الاعتراض التي أبدتها قيادات الحرس الثوري على بنود الاتفاق النووي أكثر من مساحات التلاقي مع المؤسسة الرئاسية، بما يعني أن مساحة التوافق ما بين المؤسسة الرئاسية والحرس غير واردة في الوقت الراهن، وهو ما يشير إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه الحكومة الحالية يتمثل في مساحة محدودة لانتشار القطاع الخاص المحلي والأجنبي، مع اتخاذ إجراءات موازية لتحسين بيئة الأعمال، ووقف منح المشاريع الحكومية لشركات الحرس الثوري.

القطاع الخاص سيجد نفسه مجبراً على الدخول في تحالف مع شركات الحرس الثوري، في بعض المشروعات، ورغم معارضة الحرس لبنود الاتفاق، فإن شركاته ستكون الفائز الأكبر من تداعياته، لكنه ما لم يضمن حصته من عائدات الاتفاق، وباختصار، أمام السلطات الإيرانية مهمة ثقيلة لتهيئة بيئة أعمال مناسبة للقطاع الخاص، لا سيما في ظل غموض الدور المستقبلي لشركات الحرس الثوري، الأمر الذي قد يؤجل دخول القطاع الخاص بقوة إلى السوق الإيرانية، او يعرقل الاتفاق النووي وتداعياته التي يعول عليها الشعب الإيراني للنهوض من كبوته الاقتصادية.