IMLebanon

هل من تداعيات محتملة على الساحة اللبنانية بعدما أخذ الصراع في المنطقة منحى تصعيدياً

قبل المسعى السعودي – القطري لاصدار قرار في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة يدين “حزب الله” لمشاركته في الميدان السوري المشتعل، كان الحزب على يقين أن الرياض في طور الانتقال الى مرحلة رفع وتيرة هجومها المضاد على كل مكونات المحور الخصم وفي كل محطاته وساحاته، مما يعني بالنسبة اليه أمرين: الأول أن القيادة الجديدة في الرياض قد حسمت أمرها نهائياً. والثاني أن كل الرهانات التي انعقدت في فترة من الفترات على إمكان ان تعيد العاصمة الأهم في المنظومة الخليجية حساباتها وتراجع أوراقها في ضوء وقائع مستجدة، وان تفتح الأبواب الموصدة مع خصومها توطئة لولوج عتبة البحث عن تسويات تخفض منسوب التوتر العالي في المنطقة، قد ذهبت أدراج الرياح.

وإذا كان لهذا المشهد الملتهب حساباته الاقليمية والدولية المفتوحة، واستطراداً تداعياته ونتائجه البعيدة المدى، فلا ريب أن “حزب الله” ذهب في رحلة تحرّ وتقصّ عن احتمالات انعكاسات ذلك على مجريات الأوضاع على الساحة اللبنانية، وتحديداً على الصورة المستقبلية لهذه الساحة المثقلة أصلاً بمناخات الصراع والمشحونة بعوامل التجاذب والانقسام والتباين حيال كل الملفات.

في الأشهر القليلة الماضية برزت ثلاثة تطورات إيجابية على قدر من الأهمية وهي:

– توقف طاحونة الصراع العسكري في قلب طرابلس، والذي حصد مدى نحو 3 أعوام مئات القتلى والجرحى.

– شروع الجيش في خطة مواجهة جذرية جادة ومكلفة للخلايا والمجموعات الارهابية الطامحة والتي تحمل مشاريع خطرة في الداخل وعلى طول الحدود الشرقية.

ومع هذه الوقائع المستجدة التي ترسخت بعد اختبارات وتجارب قاسية جداً، سرى في الأوساط السياسية، ولا سيما في أوساط قوى 8 آذار، تحليل ينهض على 3 مخاوف واحتمالات هي:

– أن ثمة توجهات سترتفع وتيرتها في الفترة المقبلة بهدف شحن الساحة الداخلية بمزيد من التعقيدات وعوامل التوتير، مما يوحي بإمكان التأثير سلباً في مناخات الحوار التي سادت أخيراً وتركت ارتياحاً على الساحة اللبنانية باعتراف الجميع، حتى أولئك الكارهين لهذه التجربة النادرة.

– إن ثمة مساعي ستبذل في العلن والخفاء بغية التقليل من أهمية المناخات التي سرت بعيد عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت ومكوثه بعض الوقت فاتحاً خطوط التواصل مع شخصيات وقوى مثل رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، وطرحه تساؤلات تكررت في لقاءات عدة عن امكان فتح صفحة جديدة مختلفة في دورة الحياة السياسية اللبنانية يكون فيها حاضراً وماثلاً شخصياً وليس عبر وكيل. وهو واقع أغرى البعض باطلاق استنتاج يقوم على إمكان انفتاح الأبواب على تجربة حكم جديدة عنوانها العريض “حكم الأقوياء” يعقد فيها لواء الرئاسة الاولى للعماد عون كمدخل الزامي لا بد منه لطي صفحة الشغور الرئاسي الذي تخطى الـ300 يوم.

– احتمال تبديد الاعتقاد السائد بأن مشهد الاستقرار الامني الثابت بفعل عوامل ومعطيات عدة، منها مظلة الحماية الخارجية، ومنها أيضاً رغبة اطراف أساسيين على الساحة الداخلية وفي المقدمة “حزب الله”.

وبناء على كل هذه المستجدات وما اثارته من مخاوف في الآونة الأخيرة، فان السؤال المطروح هو: هل إن هواجس الخائفين، سواء في فريق 8 أو فريق 14 آذار، هي في محلها؟

دوائر القرار والتحليل في “حزب الله” لا تزال ترى ان بالامكان حماية الأمرين اللذين ترفعهما الى مصاف الانجازين، وهما جولات الحوار مع “تيار المستقبل”، ولا سيما بعدما ثبت بفعل التجربة العملية أن هذا الحوار الذي أوشك ان يدخل شهره الخامس هو حاجة استراتيجية لطرفيه وللطرف الراعي وللاطراف كافة، والاستقرار الأمني.

واذا كانت حسابات الحزب والرغبة التي لا يخفيها في الحفاظ على الاستقرار باتت معروفة ولا يرقى اليها الشك، فان الطرف الآخر، وفق قراءة الدوائر عينها، لم يعد بمقدوره الاضطلاع بالادوار السابقة التي أوكلت اليه خفية في بداية اشتعال الاحداث في الساحة السورية، وهو لعبها باتقان من دون ان يحرق أصابعه وكل أوراقه.

اضافة الى ذلك، ليس الحوار المتوالي جلسات ولساعات طويلة هو، وفق الدوائر إياها، حاجة حصرية للحزب. فالشريك الآخر فيه هو في حاجة اليه الى درجة انه لم يعد يجرؤ على التحلل منه ومبارحة طاولته المنصوبة في احدى قاعات مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بل هو يستبسل في الدفاع عن ديمومة هذا الحوار ويدرأ عنه هجمات شرسة تأتيه من داخل بيته المتعدد المنزل.

وفوق كل هذه الاعتبارات الداخلية ثمة قراءة جلية وواثقة لدى الدوائر المعنية في الحزب تتصل بمسار الاوضاع اقليمياً تقوم على جوهر أساسي مفاده ان زمام الأمور في الإقليم لم يعد بيد عاصمة بعينها، فالأعوام الأربعة التي انقضت على اندلاع الاحداث في سوريا بددت كل الرهانات على إمكان حدوث تحول جذري حاسم في المعادلة الاقليمية عبر بوابة اسقاط النظام في سوريا، وبالتالي اعطاء هوية جديدة لهذا القطر المحوري. وعليه فان هذه العاصمة، وان كانت ما برحت تقبض على أوراق قوة في كل الساحات الاقليمية المشتعلة، إلا أن هذه الاوراق لا تتيح لها وضع حلول وتكريس وقائع وتقرير مصائر، وهي في ارتفاع وتيرة غضبها الى ذروة غير مسبوقة. إنما تحاول ان تبلغ المعنيين رسالة فحواها لا تنسوا وجودنا ودورنا… وحصتنا.

وبناء عليه تقيم الدوائر عينها على اطمئنان جوهره ان الوضع في لبنان سيظل يتمتع بمزايا خاصة تبعث على الارتياح.